إدريس الأندلسي
كم هو جميل أن يتجند ذوي النهى أو ما نسميهم اليوم ذوي الخبرة و المعرفة بالتاريخ و الاركيولوجيا و الاثنوغرتفيا و الأنثروبولوجيا و الثقافة و حب مدينة من أجل ذاكرة مكان قديم و عريق سماه إبن الخطيب ” حاضرة المحيط”. رافقت زمرة من محبي آسفي في رحلة قد نسميها برحلة ” الألف ميل ” من الوفاء بالتزام نحو الوطن و ليس نحو مدينة ولو أن عراقتها تتجاوز كل إهتمام عفوي لأنها تجدرت منذ قرون في رحم وطن إسمه ” الإمبراطورية المغربية. قبل أن استفز الكلام، سكنني نوع من” الخزف” الابيستمولوجي في حضور العلامة و الباحث المتواضع حميد التريكي الأسفي الأندلسي و العارفون بتاريخ المدينة كالقيدوم سي محمد منيس و السفير المثقف المكي كوان. و لكن الجرأة تصبح واجبة حين يصبح السؤال واجبا و واضحا.
كم أهوى الشعر و انصت إلى الفقهاء. الفقهاء في معجمي بحاثة و مناضلون فكريا لكي ترتقي الوثيقة التاريخية إلى أعالي مصادر كتابة التاريخ. استمع و استمتع بعمق كلام حميد التريكي، احبه و أقدر جهوده و لكني أقدر ابحاثه و تستفزني خلاصاته. كنا في لقاء جمع ممثلين عن جماعة ترابية برتغالية مع جماعة آسفي. الأمور رتبتها جمعية ذاكرة أسفي و استطاعت أن تضمن تبنيها من طرف المجلس البلدي الأسفي و من طرف عامل الإقليم. حضر عمدة مدينة لولي الموجودة بجنوب البرتغال و معه القنصل الفخري للمملكة المغربية لدى جهة جنوب هذا البلد. كان الكلام يحمل زخم التاريخ و ينظر إلى المستقبل عبر توأمة بين آسفي و مدينة لولي البرتغالية. أتفق مسؤولو المدينتين على إعطاء مدلول عملي للتوأمة عبر تمكين الشباب من أنشطة ثقافية و بيئية. و دار النقاش حول تاريخ المدينة و مشروع إعادة الروح الجمالية لمعمارها التاريخي مع التركيز أولا على إنقاذ ” قصر البحر ” من خطر الانهيار. و هذا الموضوع شكل في السابق نوعا من اللاتفاهم بين السلطات و المجتمع المدني
كان الأمر في ما مضى يشبه صراعا حول تصور للتعامل مع مشروع تجمع كل السلطات على أهميته. و هذا الكل يؤمن بأن إنقاذ تاريخ مدينة أعتبرها إبن خلدون ” حاضرة المحيط ” شأن دولة ” و ليس مجرد إعادة هيكلة مدينة عادية. الكل يعلم أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس مشى لمدة لساعات لتفقد مستوى إنجاز أعمال إعادة إعمار المدن العتيقة ليؤكد لكل المغاربة و بالأخص لكل المسؤولين أن رأسمال المغرب اللامادي لا يمكن اهماله لأنه مصدر لخلق الثروة بجانب الرأسمال المادي. كان لقاء الوفد البرتغالي و جمعية ذاكرة اسفي مع السيد عامل المدينة ايجابيا و حاملا لرسالة مفادها أن السلطات تستمع إلى صوت المجتمع المدني و أن مشروع إعادة إعمار المدينة القديمة بما فيها المآثر التاريخية سيسير حسب ما تمليه القواعد المهنية و الخبرات التاريخية و العلمية. و قد تم التأكيد على أن البدء في بناء الحاجز الواقي لقصر البحر سيبدأ العمل فيه في شهر أكتوبر المقبل. كما تم التأكيد على أن تتبعه مراحل التنفيذ لكافة مكونات المشروع الذي خصصت له ميزانية تصل إلى حوالى 400 مليون درهم.
و هكذا أصبح الحوار بين السلطات الترابية و المجتمع المدني يصب في إتجاه واحد هو التعاون من أجل هدف واحد يتمثل في التنفيذ السليم لمشروع إستراتيجي بالنسبة لربط ماضي آسفي بحاضرها و دعم احياء ثراتها العميق الذي ذكره كبار المفكرين و المؤرخين منذ قرون و الذي شهد تعايشا بين الشعوب و الأديان و الثقافات و تباذلا للمعارف الحرفية في مجال البناء و الصيد البحري. الأمل كبير في أن يظل المجتمع المدني في آسفي متابعا و مشاركا في دعم تنمية المدينة و شريكا ملتزما و مسموعا من طرف السلطات.