آخر الأخبار

عبد الإله “مول الحوت”… حين تصبح الحقيقة جريمة، والصحافة الصفراء سلاحًا ضد المواطن!

كان من المنتظر أن يُفتح نقاش جاد حول الغلاء الفاحش الذي ينهك جيوب المغاربة، وأن تُطرح الأسئلة الحقيقية عن الفارق الصادم بين أسعار السمك في الميناء وأسعاره في السوق، وأن يُحاسب السماسرة الذين يحولون قوت المغاربة إلى تجارة مربحة على حساب الفقراء. لكن بدل ذلك، وجدنا أنفسنا أمام مسرحية هزلية، حيث أصبح كشف الحقيقة جريمة، وأصبح من يدافع عن القدرة الشرائية للمواطن متهمًا بالتحريض!

عبد الإله “مول الحوت” لم يفعل شيئًا سوى قول ما يعرفه الجميع، لكنه كان كافيًا لإثارة حملة مسعورة ضده. لقد عرّى واقع السماسرة وما يُحاك داخل أسواق الجملة، حيث تتحكم قلة في الأسعار، وتُفرض زيادات غير مفهومة على المواطن البسيط، بينما تصمت الجهات المعنية، وكأن الأمر قدر محتوم. لم يتحرك أحد لمحاسبة هؤلاء، لكن تحركت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية لمهاجمته، وتأليب من يسمون “مهنيي القطاع” عليه، ليس دفاعًا عن المهنية أو الموضوعية، بل دفاعًا عن مصالحها الضيقة، وولاءً لجهات اعتادت أن تشتري الصمت أو تُؤجر الهجوم!

هذه الصحافة، التي بنت شهرتها على تسويق مآسي الناس، واستغلال مشاكلهم، ونشر الفيديوهات الهابطة والمنحلة أخلاقيًا، أثبتت اليوم أنها ليست سوى بوقًا لمن يدفع، وسلاحًا يُستخدم لتشويه من يجرؤ على كشف المستور. بالأمس، كانت تبيع الفضائح لجلب المشاهدات، واليوم تبيع الضمير لحماية لوبيات الفساد، في مشهد مقزز يفضح وهم الاستقلالية والمهنية.

المثير للسخرية أن هذه المنابر نفسها تشتكي من فقدان الثقة في الصحافة، لكنها لا تفعل سوى تعميق الهوة بينها وبين المواطن، الذي بات يرى بأم عينه كيف تكيل بمكيالين، وكيف تتبنى قضايا معينة حين تخدم مصالحها، بينما تهاجم كل من يزعج المستفيدين من الفساد والاحتكار.

ما حدث مع عبد الإله “مول الحوت” ليس مجرد خلاف حول الأسعار، بل هو نموذج صارخ لطريقة تدبير الملفات الحساسة في هذا البلد. اليوم، لم يعد السؤال عن ثمن السردين فقط، بل عن ثمن الحقيقة، ومن المستفيد من إخفائها؟