كتاب “عبدالله إبراهيم، تاريخ إخطاء المواعد” الذي نشرته الصحفية والكاتبة زكية داود مؤخرا يعيد الاعتبار لزعيم سياسي مغربي تعرض للقتل الرمزي قيد حياته من طرف مخزن عمل بكل الوسائل من أجل حسم نزاع الشرعيات والانفراد بالسلطة، وذلك عبر توجيه الضربة وراء الآخرى واالسعي للقضاء على كل زعامة اكتسبت كارزمية بالقمع والحصار وحتى القتل، و كذلك من طرف إخوانه الذين كانوا على خلاف مع موقفه المبدئي المعارض للعنف ولآي تنازل من شأنه تمكين المخزن من التلاعب بالجميع وتمرير مشروعه الاستبدادي في نفس الوقت. إذ كانت للرجل قراءته للماركسية التي تفسر ارتباطه بالاتحاد المغربي للشغل ورهانه على الطبقة العاملة.
الكتاب سفر عبر مرحلة مهمة من تاريخ المغرب انطلاقا من رصد مسار رجل بدأ النضال مع بداية الحركة الوطنية الحضرية وتحمل مسؤوليات أساسية فيها مند الحزب الوطني، وكان من الجناح التقدمي داخلها، و من كبار مثقفيها بعد الاستقلال، ومن القلائل ضمن زعمائها الذين أنتجوا فكرا وقدموا أجوبة على الآسئلة الحارقة المطروحة إلى اليوم، وكان أيضا من أكثر الناس ميلا إلى ربط الممارسة السياسية بالآخلاق، حد أن خصومه اعتبروه أخلاقيا أكثر من اللازم، بل وسمعت من وصفه بالساذج دون أن يكون قد عرفه عن قرب أو قرأ ما كتب، أو عرف شيئا عن ثقله كممثل للعمال وللمقاومة وجيش التحرير، اللذان كان لتلامذته بمدرسة بنيوسف دور أساسي وقيادي فيهما (الفقيه البصري، محمد بنسعيد، عبدالسلام الجبلي…)
الكتاب يستعرض الآدوار الكبرى لعبدالله إبراهيم في مرحلة طويلة نسبيا أكسبته كارزما زعيم تولى رئاسة الحكومة والآمانة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية والموجه الرئيسي للاتحاد المغربي للشغل والمصلح الذي يعود له فضل وضع عدد من القوانين والمؤسسات ، لكنه يركز بشكل خاص على البعد الفكري والآخلاقي في شخصيته، بحيث تضمن الكثير من الفقرات المسنتقاة مما كتبه في مراحل مختلفة. والكثير من المعطيات عن نمط عيشه وتصرفه وعلاقته بالمصلحة الخاصة. فالرجل عاش ورعى أسرته ب 9000 درهم التي كانت الآجر الذي يتلقاه كأستاذ جامعي ورفض دائما المزايا، بما فيها تقاعد رئيس الحكومة.
ويتضمن الكتاب العديد من المعلومات المهمة عن علاقة الرجل بزعماء آخرين من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل وغيرهم ومع االملك الحسن الثاني. وهي معلومات تبين شجاعة الرجل وعدم تردده في التعبير عن موقفه بصراحة
من بين ما أوردته زكية داود مثلا ماراج بينه وبين الحسن الثاني لدى لقائه به، صحبة الزعيم علال الفاسي، بعد تأسيس الكتلة الوطنية سنة 1970، حيث جرى النقاش حول تشكيل حكومة من طرف هذه الكتلة.
عبدالله إبراهيم أبدى استعداد الكتلة لتشكيل هذه الحكومة وقدم الشروط للملك: نترك لك وزارة الدفاع ووزارة البريد، فكان جواب الحسن الثاني الله يكثر خيرك.
لم تورد الكاتبة سبب اختيار وزارة البريد، لكنه للتاريخ، فقد كانت هذه الوزارة قد أسندت للكومندار المدبوح وكان هذا العسكري النزيه أول من أعلن انسحابه من الحكومة بإيعاز من القصر. ومن المعروف أن المدبوح، الذي كان عسكريا في الجيش الفرنسي، قد تأثر كثيرا بهذه التجربة الحكومية وظل يكن احتراما خاصا لعبدالله إبراهيم. وكان معروفا عنه أنه نزيه ويكره الفساد والرشوة، واكتشافه لفساد صفقة طائرات لوكهيد بعد زيارة للولايات المتحدة، وماجرى بعد مطالبته بفتح تحقيق بشأنها، من الأسباب التي دفعت به لتنظيم انقلاب الصخيرات الفاشل الذي قتل فيه. ويحكى أنه بعد وفاته وجدوا في غرفة مغلقة في بيته كل الهدايا التي تلقاها من الملك الحسن الثاني، بما فيها الهدايا المالية التي لم يتصرف فيها. هذا التفصيل يفسر حديث عبدالله إبراهيم مع الملك عن وزارة البريد ورد الملك الذي تلاه توقف الحوار بين الملك والكتلة وتدهور الوضع السياسي بشكل بالغ الخطورة.
محمد نجيب كومينة / الرباط