وفي سنة 1912 عاد إلى مراكش، وشرع يقدم دروسا ومحاضرت في مختلف جوامع المدينة، فبرز متميزا بصفته واحدا من العلماء المراكشيين الشباب. وفي سنة 1923 رافق أبناء الباشا الكلاوي إلى فرنسا بصفته مدرسا إياهم اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي، وهنالك صار إماما وخطيبا في المسجد الأعظم بباريس، كما تمكن من تحصيل معرفة معمقة ومتينة بالثقافة الفرنسية. وفي مؤلف زكي مبارك “ذكريات باريس” فصل بعنوان (صلاة الجمعة في مسجد باريس)، يتحدث فيه عن خطيب الجمعة الذي (…طالعنا بخطبة فصيحة، بريئة من اللحن ومن الضعف (…) ورأيت لأول مرة في حياتي خطيبا ينشد الشعر في خطبة الجمعة كلما بدت مناسبة(…) وبعد انتهاء الخطبة نزل الإمام فصلى بنا صلاة خفيفة جدا رجونا أن يكون في بساطتها ما يؤكد لها القبول، فإن الرياء والتصنع لا يغنيان فتيلا عند علام الغيوب.)، ولم يكن هذا الخطيب سوى الفقيه العلامة محمد بن لحسن الدباغ. ولما عاد الفقيه بن لحسن إلى مراكش قام بتقديم العديد من الدروس والمحاضرات في مسجد رياض الزيتون وفي رباط سيدي بوعمرو. وخلال ثلاثينيات القرن العشرين سيغدو الفقيه الباريزي واحدا من الزعماء الأعلام داخل الأوساط المراكشية، إذ يذكر المقاوم المراكشي محمد الحبيب محيي في كتابه عن ((عبد الله إبراهيم)) أن الفقيه العلامة محمد بن لحسن الدباغ كان من جملة من استعان بهم الزعيم عبد الله إبراهيم لتكوين (المناضلين الذين سوف تلقى على كواهلهم مهمة تحرير البلاد من ربقة الاستعمار)، وسيؤدي على عمله الوطني هذا ضريبة الاعتقال في سنة 1937 هو وكبار العلماء اليوسفيين الأجلاء: المختار السوسي، عبد القادر المسفيوي، أحمد بلفضيل، عبد الجليل بلقزيز، محمد بن عبد الرازق، أحمد الكنسوسي… ثم في سنة 1942سيصير العلامة ابن لحسن الدباغ أستاذا في السلك العالي لتكوين العلماء، لينتقل إلى رحمة الله سنة 1952 وترافقه جموع المراكشيين من مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية وتحضر دفن جثمانه في مقبرة باب اغمات.
العلامة محمد بن لحسن الدباغ، أو الفقيه الباريزي، ضرب بسهم وافر في جميع العلوم الشرعية، وغلب عليه الجانب الفلسفي الإسلامي المتمثل في علم الكلام والفلسفة الإسلامية، كما اهتم بعلوم الجغرافيا والتاريخ التي لم يكن يهتم بها العلماء المعاصرون له في جامعتي ابن يوسف بمراكش والقرويين بفاس. وقد قامت عائلته بإهداء خزانته العامرة إلى عموم القراء والطلبة والباحثين والدارسين فأضحت في ملكية كلية اللغة العربية بمراكش كنظيرتها خزانة العلامة الحسن الزهراوي.