محمد نجيب كومينة
ياتي تمرد مرتزقة فاغنر ليضع بوتين في موقع حرج جدا في وقت تعرف فيه حرب اوكرانيا، ومعها العقوبات الاقتصادية الغربية، تحولات دراماتيكية من شانها ليس فقط انهاك قدرات الجيش الروسي الذي يتبين انه لا يمتلك القدرات، التي توقعها الكثيرون، لحسمها بسرعة وفعالية.
بوتين، الذي يسقط عليه بعض الغارقين في الماضي ما لا يناسبه، بنى نظاما قام على تسويات غير مسبوقة بين ورثة المخابرات “كي جي بي”، وهو واحد منهم، وبين المافيات التي استغلت سقوط الاتحاد السوفياتي كي تؤسس راسمالية مشوهة قائمة على نيو ليبرالية مطبوعة بالطابع المافيوزي، وفي هذا السياق جاء احداث مرتزقة فاغنر كشركة-واجهة تتحرك بواسطتها و باستعمال مرتزقتها المافيا والمخابرات الروسية و توظف في تنفيذ الاجندات الجيوسياسية والجيو اقتصادية لبوتين، وبالاخص في القارة الافريقية التي تمت استباحتها من طرف فاغنر واصبحت فاعلا في عدم الاستقرار والانقلابات والحروب الاهلية داخل دولها.
مرتزقة فاغنر اعادوا الى الذاكرة الافريقية تجربة الاستعمار و تجربة مرتزقة فرنسا وبلجيكا في القارة، ومثلوا ظاهرة من اسوا الظواهر التي طرات في الساحة الدولية في السنوات الاخيرة، حيث عبرت عن تدهور كارثي لاخلاقيات الدول في تعاملها مع بعضها البعض وتحديا غير مسبوق للعلاقات الدولية والقانون الدولي، اذ اصبح بامكان مرتزقة تابعين رسميا لدولة كبيرة اللجوء الى ممارسات اجرامية خارج حدود هذه الدولة وبتزكية منها، وممارسات فاغنر تمتد الى انشطة اقتصادية الى جانب الانشطة العسكرية والامنية والسياسية، و لكن مالم يتوقعه بوتين، وغيره ايضا ممن اسقطوا على المرتزقة مالا يلائمهم وحولوهم الى الوية ثورية، هو ان المرتزقة يبقون مرتزقة مسكونين بعقلية الارتزاق، و ان ميولهم المافيوزية لا بد وان تفيض عن قدرته على الضبط و على قدرة حلفائه في المافيا الروسية، الذين كان يمثلهم ميدفيديف كرجل ثان في النظام الروسي، لتخلق وضعية حرب اهلية روسية في وقت حرج بالنسبة لبوتين الذي يتعرض لضغط رهيب يبتغي تدميره و اضعاف روسيا استراتيجيا قبل التحول الى الاستراتيجية الامريكية القائمة مند حكم اوباما المتجهة الى التركيز على المحيطين الهادي والهندي و بالتالي على الصين والهند كعملاقين صاعدين.
من المفروض ان يستوعب حكام الجزائر، لو كانت لهم قدرة على الاستيعاب والتعلم، دلالة تمرد مرتزقة فاغنر، لانهم هم ايضا، وفضلا عن تعاملهم مع المرتزقة الروس، يستعملون المرتزقة بعمى لا مثيل له، و لا يقتصر هذا الاستعمال على بوليساريو المرتبطة عضويا بنظام الكابرانات البئيس والمنهارة الان رغم الضوباج غير المجدي، بل يمتد الى جماعات متحركة في بلدان الساحل والصحراء وليبيا وتونس متخفية وراء اسماء مستعارة، و ما نقل عن مواجهات مع الازواديين والطوارق مؤخرا ليس الا بداية لما هو اخطر ولما يهدد الجزائر بالتفكك والاقتتال