من يعش أرق السؤال وراهنيته صعب أن يهدأ له بال وهو يتابع الوضع ، قد تطمئنه بعض المؤشرات لكنه لايستكين لها لأنه بطبعه يراقب، ويرصد، ويتابع ، لايمكن أن يتخلى عن دوره في إطار التدافع الحاصل. السؤال هو نوع من التعبير عن الإستقلالية في القرار، وتصريح واضح بعدم التبعية لأحد ، بل يريد أن يكون له رأي و يدلي بدلوه في القضايا التي يفهمها على الأقل ، وهذا حد أدنى من التعبير ، عن هذا الوجود المتشابك الخيوط والموغل في التعقيد ،لكن هناك سؤال يواجهك وأنت تبحث عن أجوبة لأسئلتك المقلقة.
لماذا تتعب نفسك في أمور لست مسؤولا عنها وليس مطلوب منك لوحدك الجواب عنها ؟
عندي سؤال ليس بالضرورة إعلان عن تبني طريقة معينة في الكلام لتحاصر كينونتك المرتبكة أصلا في خضم هذا العالم الموبوء .وانت تنحو باستفسارك للبحث عن مخرج من ضيق التواجد. فلا تعتقد أن طرح سؤال معين يريحك من سلسلة المتاعب التي قد تضع نفسك فيها وانت تتلقى تجاهلا مقيتا أو أنصاف أجوبة تخفي حقائق وتتستر على واقع مرير .بين إشكالية الطرح وتعقيدات التداول. هناك من يعتبر الأسئلة التي لاتزكي الموضوع والمقاربة التي يتبناها ، هي نوع من الإستنطاق المخابراتي للفعل. ونحن لدينا من يعتقد أن أفعاله منزهة عن الخطأ . السؤال دفعة واحدة وصرمديته وبقاؤه يلزمنا جميعا أن نبقي على جذوته لأنه هو الوحيد الذي يجعلنا أحياء مادمنا نصر على طرحه ،لسنا موات انقضت حياتهم من الوجود حتى نعجز عن الكلام وطرح السؤال .
هل من حقي امتلاك الرغبة في طرح السؤال لأنني أفكر دائما قبل بنائه وصياغته حيث يحضر أمامي أمر مهم .
لمن سأوجهه .
وهل فعلا له من الشجاعة والشفافية كي يجيب بشكل موضوعي دون خوف أو تدليس.؟
كثير من الاسئلة نطرحها لذواتنا بالداخل أكثر من طرحها للآخر لأننا دائما نخضع مقومات شخصيتنا للمختبر الداخلي من أجل الوقوف على مدى وجاهتها وجاهزيتنا . نتحرى لأن هناك من تقلقه الأسئلة وهناك من تفزعه فتقض مضجعه. فمن مهامها وأدوارها أن تقف على حقيقة مايجري وهي تأخذ دورها الأصيل الرقابي لضبط منهجية العمل.
كم من حرقة السؤال لا تطفئها الأجوبة المنمقة التي يقال عنها نوع من الديبلوماسية وهي في الحقيقة ردود تكتسي صفة التحاشي والصد ؟
لماذا لغة مسؤولينا تبتعد في غالبيتها عن الحقيقة فتختار لغة خشبية تركب العموميات لتنجو بنفسها من المزالق والمطبات ، بل تذهب لحد التكلس. ؟
لكن يبقى السؤال في حد ذاته دليل وجود ورغبة في ايصال إشارات أننا هاهنا نتابع ونرصد ونتفاعل ، لسنا أشباح ولا هامشيون رغم أن البعض يستهويه أن نبقى طابورا يكثر من سواد الأغلبية الصامتة إن لم تكن في الحقيقة متواطئة. فلسفة وجود سؤال تدل بالضرورة على تفاوت في امتلاك المعلومة التي تدفع بصاحبها للبحث عن حقيقة الأمر .
سياق هذا الكلام استضافة قناة تلفزية لمسؤول بوزارة التعليم في ظل جائحة كورونا للوقوف على الوضعية وتقديم أجوبة تشفي غليل وانتظارات المواطنين ، لقد ظهر جليا من خلال برنامج “عندي سؤال” أن المستجوبة تبنت طريقة في الطرح مستفزة وقفت عندها كثيرا حيث رجعت بي الذاكرة إلي مثال كاريكاتوري كثيرا مايقع :
( كأننا نساعد تلميذا متعثرا من أبناء الأعيان على النطق وقد أصابه العي حتي لايتخلف عن زملائه. فتراها تسارع بمفاتيح الكلام حتى يستطيع صاحبنا الوصول إلى الجواب الصحيح.) لقد كان حوارا غارقا في الكم من خلال النفخ في الأرقام ولم تطرح أسئلة من قبيل الكيف ، إن مانسف في أوراش الإصلاح مجهوداتنا وإنجازاتنا سوى التستر على ” الكيف” هذا المصطلح الذي يسائلنا جميعا. لكن حين تستأسد الأرقام تختفي معها الحقيقة والطريقة.
لكن الملاحظة المهمة التي يمكن أن نأخدها كخلاصة أننا أمام اتصالات أغلبها قادمة من المدينة في غياب القرى المغيب الحقيقي في العملية وتبين أن البرنامج ليس لديه الوقت لمحاولة الغرق في مستنقع مشاكلها.وهي نفس العملية التي يسلكها إعلامنا البئيس فيما يتعلق بصندوق كورونا وبالمواد الغذائية والكمامات وطريقة توزيعها .التعتيم سيد الموقف. في تصريح المسؤول وسط أرقامه المتسارعة أن المجال القروي يكفيه المقررات لينكب على تتبع العمليات ولم نذكر لا جشع شركات الانترنيت ولا ضعف الصبيب أمام كل تلك المفردات من قبيل منصة الكترونية والبيداغوجية التلفزية والمواد الرقمية وغيرها… والتي تبدو كبيرة في النطق صعبة في التحقق. مما يدفعنا للإستمرار في طرح سؤال تلو سؤال في سلسلة لاتنته. مادام هذا الواقع المأزوم الذي يحاول التعالى عن الإجابة الصحيحة.
ذ ادريس المغلشي.