* مصطفى المنوزي
تحل يومه الذكرى 117 لإنعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء (15 يناير 1906 ) ، عندما اجتمعت 12 دولة أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وخلصت التوصيات إلى تكريس واقع ” إقرار الباب المفتوح بالمغرب ؛ أي المساواة الإقتصادية بين القوى الموقعة على التسوية التعاقدية لمؤتمر الجزيرة الخضراء ” ، وكان الجزء الأعظم من بلاد المغرب من حظ فرنسا ، في حين تركت أجزاء متفرقة لفائدة إسبانيا . ومنذئذ بدأت فصول ضرب مقومات السيادة المغربية ، وبالتدريج بدأت هيمنة الإستعمار الفرنسي ، خاصة ، تتوطد ، وتحقق الهدف المهيكل بالتوقيع على معاهدة الحماية بالموازاة مع زحف العسكر وتشكيل تغطية لسياسة إدماجية استيطانية لترسيخ سيطرة الإقامة العامة الفرنسية على مقاليد الحكم تاركة المظاهر الشكلية للسلطان ومخزنه ، بصفة رسمية إبتداء من مارس 1912 وهي السنة التي شاءت الأقدار أن يتم الإعلان عن تأسيس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ، أي بتاريخ 8 يناير 1912 في بلومفونتين بعد سنتين فقط من إعلان اتحاد جنوب أفريقيا للدفاع عن حقوق السود أمام سيطرة الأقلية البيضاء، وكان أول رئيس للحزب هو جون دوب، ومن بين أعضائها المؤسسين الشاعر والمؤلف سول بلاتجي. وعندما تم حظر المؤتمر الوطني والتشكيلات السياسية الحليفة له سنة 1960 بعد أحداث العنف التي حدثت بـ«شارب فيل» بادر الزعيم نلسون مانديلا في السنة التاليةإلى تأسيس جناح عسكري سماه ” رأس الحربة” . وهي المناسبة التي سيلتقي فيها الزعيم والوفد المرافق له ببعض رواد الحركة الوطنية وأعضاء جيش التحرير ، قصد الحصول على الدعم ( أسلحة ومال )، وبعد عودته إلى بلاده سيعتقل ويحكم عليه بأربع سنوات حبسا بتهمة السفر سرا إلى الخارج . ومنذ سنة 1962 ظل التعاون ثم التعاطف مع قضية مناهضة العنصرية بجنوب أفريقيا إلى أن إنطلق مسلسل الحقيقة و المصالحة وحكم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة الزعيم نيلسون مانديلا ، والذي سبق وأن نال ، بعد إطلاق سراحه وإلتزامه بالتخلي عن العنف ، جائزة نوبل للسلام اقترانا مع دوكليرك سنة 1993 .
واليوم وبنفس القدر شاءت الظرفية أن تنظم ” دولة” جارتنا الجزائر منافسات ” الشان ” ويتم افتتاح الدورة بملعب أطلق عليه قبل أيام فقط إسم ” مانديلا ” وهي مبادرة لا يمكن إلا استحسانها لأن المحتفى به يستحق أكثر ، ويستحق أن يطلق اسمه على معالم كبرى ومدن كبرى . لكن تبين بأن هذا حق واستحقاق أريد به باطل ، لأن استقدام حفيد الزعيم إلى الملعب لإلقاء كلمة ليست سياسوية فقط بل ” ترهيبية ” مادامت خالفت روح رسالة الرياضة الرامية إلى إستثباب الأمن والسلام والتعايش ، و لم تحترم مشاعر من تبقى من رجالات ونساء وسلالة حركة التحرر المغاربية ، فإعلان الحرب على المغرب لم تعد مسألة تهور أو عدم إستيعاب ، فلو كان جده مانديلا حيا لأنَّبه أو على الأقل نبهه إلى ضرورة إلتزام الحياد تجاه قضية تهم الشعب المغربي وحريته في تقرير مصيره ، بكل مكوناته أو على الأقل ، إن كان لابد من تموقف أو تموقع إلى جانب هذا أو ذاك ، دعم مطلب تصفية فلول الإستعمار بما يعنيه فك الإرتباط مع التبعية للخارج الامبريالي ومع وكالاته ” الأممية ” وشركاته المتعدية / المتعددة الجنسيات وكافة المؤسسات المالية والإستخباراتية الدولية والتي لم تسلم منها جنوب أفريقيا نفسها على عهد مانديلا . ولأن الانخراط والإصطفاف يقتضيان النزاهة والإستقامة ، فقد كان على المصرح أو من وكله أن يتأكد من براءة ذمته وخلو سيرته مما قد يخدش مروءته وشرفه ويسيء للزعيم ، قبل أن يحشر ذاته ونزواته في قضية سيادية كلفت ولا زالت تكلف المغاربة أرواحهم وتستنزف دماءهم ومواردهم وقواهم بصفةيوميةوتستهدف وجودهم المصيري . ومع ذلك ومن باب الإعتدال والإنصاف وعدم الإنحياز ، واحتراما لروح جده ، أن يكتفي بدعم المخرجات السياسية والحلول السلمية المتوافق عليها أمميا . صحيح أن المغاربة عانوا من قمع واضطهاد طيلة سنوات الحماية والجمر ، لكن هذا لن يدفعهم إلى تزكية نزعات الإنفصال لمجرد أن النظام المغربي ينفرد بتدبير قضية الوحدة الترابية وفق مقاربته الخاصة ولن ينساقوا إلى خيانة تاريخهم ووطنهم ، لأن الأصل أن التوتر والتجزئة عقدتان هما صنيعة ونتاج الخريطة التي سطرتها توافقات وقرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء ل 15 يناير 1906 والتي على أساسها تم التوقيع على معاهدتي الحماية الفرنسية والإسبانية في بحر 1912 ، واللتان تم الإعلان عن إيقاف العمل بهما على التوالي في 2مارس 1956 و 7 أبريل من نفس السنة . ولأن المناسبة شرط فإننا ندعو إلى ضرورة فتح ورش الإفراج عن الأرشيفين الفرنسي والإسباني حيث تسكن عناوين حقيقة تعثر إستقلالنا بعدم تصفية فلول الإستعمار وتوتر علاقتنا مع الجوار ، فالأمر يهم كافة الثغور بما فيها الصحراء الشرقية ؛ وإلى ذلك الحين يبقى الأمل مفتوحا في مواصلة ورش حفظ الذاكرة بإطلاق أسماء الشهداء وقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وقدماء ضحايا سنوات الرصاص ، وفاء واحتفاء ، سواء مغاربة أو مغاربيين ، ولتكن المبادرة من مدينة القنيطرة المكافحة ، فلعل الشهيد المغاربي المجاهد محمد بوضياف، كنموذج، يستحق منا كل التكريم والإعتراف والإنصاف .
*منسق منتدى ضمير الذاكرة والتواصل التاريخي .