إدريس الأندلسي
من لم يكفر بخطابات الغرب حول التساوي و السلام الزائفين لن يؤمن أبدأ و بحق بمبادئ العدالة و الحرية و المساواة. هذا الغرب الذي دمر ثقافات و حضارات و استعمر و نهب و فرض سيطرة على كثير من الشعوب لا و لن يمتلك أية شرعية لإعطاء الدروس لبقية دول و شعوب العالم. إنجلترا صنعت، كأكبر مستعمر سيطر على القرن التاسع عشر، كيانات عربد مجرمها الكبير “بلفور” و باع أرضا لا يمتلكها إلى عصابات أتت من شرق أوروبا و ادعت أنها يهودية و الأمر ليس إلا لعبة استعمارية لضمان سيطرة أبدية على الشرق الأوسط. هذا لا يعني أن اليهود لم يكونوا ممن سكن و عاش فبل قرون في الشرق الأوسط و في شمال أفريقيا و ساهموا في صنع تاريخها. و هؤلاء هم من يعهد إليهم بالأدوار الدنيا في اقتصاد و سياسة إسرائيل بما فيها ” الدفاع” عن مصالح المستعمرين و المستفيدين من وضع صنعه الإنجليز و تولاه قادة الصهيونية عبر عصاباتهم التي وصل فعلها إلى التأثير على الانتخابات و الإعلام في الكثير من الدول الكبرى و ذات التاريخ الدموي الإستعماري. و لا زال بايدن الأمريكي يقر بمديونيته لمن دعمه و يؤكد على أن هذا الدعم منقوش على الحجر.
قد يخيل إلى من لا يتابع قضايا الشرق الأوسط أن العنف و الاعتداء على المدنيين لم يظهرا إلا مع حركات تحرير فلسطين و حركات محاربة الإستعمار عبر تاريخ الهمجية الإستعمارية. هذه الحركات تجمع على تحرير الأرض و حماية المواطن و تختلف كثيرا في التعامل مع المحتل و في التعامل أيضا مع العنف الذي يوجه ضد الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين سنة. المقاومة الفلسطينية كانت في البداية وطنية أولا و خيطها الناظم مواجهة الظلم الذي صنعه الغرب و خصوصا انجترا. المقاومة تفرقت بها السبل الايديولوجية لتنقسم بين ما هو وطني و ما هو قومي و ما هو شيوعي و ما هو علماني و ما هو ديني. خفت كثيرا صوت حركة فتح بعد اتفاقيات أوسلو و تراجع وقع خطابات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين و عدد من حركات لم تكن لها القدرة على الفعل الثوري. دفعت هذه الحركات ضريبة التبعية لدول و أحزاب عربية، بما في ذلك التمويل بالمقايضة على المواقف و الاختيارات، و تحولت إلى نوادي للمبارزات الخطابية و الشعرية. و هكذا عكست الساحة الفلسطينية ما جرى من تحولات العالم العربي و الإسلامي و ظهور الحركات الإسلامية و تبؤءها مراكز قيادية حكومية في بعض البلاد.
و مباشرة مع الفشل الذي افضت إليه اتفاقيات أوسلو و تنكر إسرائيل لكل ما التزمت به و سكوت أمريكا، راعية مسلسل ” السلام” ، تراجع منسوب الثقة في القيادة الفلسطينية و أصبحت الحركات الإسلامية في الضفة الغربية و القطاع ذات موقع و قدرة على احراز أصوات الفلسطينيين. و هكذا ساهم الغرب، الذي يتباكى اليوم، و خصوصا الولايات المتحدة في اضعاف أصوات القيادات الفلسطينية التي انخرطت في مسلسل ” سلام” دون ضمانات. مات عرفات بعد تعريضه لأبشع أنواع الحصار و ” تسميمه” و ماتت معه كل الآمال في الوصول إلى سلام ” الشجعان ” لكي يضمن الشعب الفلسطيني حقه في الحياة على أرضه. الصهاينة ضاعفوا بناء المستوطنات و وضعوا الشعب الفلسطيني في غزة و القطاع داخل سجن كبير دون أدنى شروط العيش الكريم. و خلال هذه المحنة سكت الغرب، صانع الإستعمار، على قتل الإنسان و إهانة حقوق الإنسان و العبث بحياة الأطفال و النساء و الشيوخ و الشباب. و لا موقف يتخذه الغرب ذو الماضي و الحاضر الإستعماري سوى دعوة الضحايا إلى ضبط النفس و إن لم يضبطوها، فهم الارهابيون الذين يخالفون قواعد القانون الدولي. هذا الغرب، كان في لحظات تاريخية محدودة يناصر حق الشعب الفلسطيني. نتذكر مواقف فرنسا ديغول و إسبانيا و دول شمال أوروبا و دفاعها على حق هذا الشعب. و لكن هذا الغرب أصبح خديما مطيعا للظالم و يبيع مواقفه حسب بورصة المصالح و يقسم على الولاء لإسرائيل مهما كان حجم المآسي التي يعيشها الإنسان الفلسطيني الذي يعيش على أرض فلسطين منذ آلاف السنين. من يتابع تغطية القنوات الفرنسية و غيرها لما يدور بغزة و محيطها يلاحظ أن 99% من المساهمين في النقاشات لا يشيرون إلى وضعية الاحتلال و الاستيلاء على الأراضي أو على المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني من كفر قاسم إلى مخيم صبرا و شاتيلا .
كل هذا فتح أبواب عدم الإيمان في قدرة الدبلوماسية على إسترجاع الحقوق. تجبرت دولة إسرائيل و تضخمت قدرات اللوبيات الصهيونية في دول الغرب. و ماذا يمكن أن ننتظر في ظل هذا الفراغ و هيمنة الظلم. كان هناك العرض الإسلامي مع ما يصاحبه من دعم مشروط من طرف الدول الداعمة و المانحة و التي لا تفرط في شروط الوصاية. أصبحت السلطة الوطنية الفلسطينية شبحا و صوتا خافتا و زادت مساحات الإستعمار لأراضي الفلسطينيين و زاد القمع و استباحة الأماكن المقدسة بما في ذلك باحة الأقصى. و لم يحرك الغرب و مؤسساته ساكنا. لكل هذا زادت قوة المقاومة التي قالت قبل أوسلو أن السلام مع إسرائيل لا يمكن أن تضمنه اتفاقيات في ظل سجن كبير و سيطرة على الحدود و الشواطىء و المرافئ و التجارة و الأمن و الطاقة و الفلاحة و البنزين… ضاعت كل الآمال و اختفت كل مصداقية لأي حركة فلسطينية لا زالت تدعو للمفاوضات. و لهذا كان خطاب محمود عباس الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة موجها للغرب لكي يضمن حماية للشعب الفلسطيني فقط لا غير. لهذا و بعد ضغط طويل، عريض عميق، ظالم ،واسع، مهين، كان ما كان من عنف في محيط غزة المحتل و عسقلان. لا يمكن لأي إنسان سوي أن لا يتأثر بالهجوم على المدنيين و يحزن للاعتداءات التي تمسهم. و هذا التأثر يشمل كل اعتداء على إنسان كيفما كانت ديانته أو وطنه أو اعتقاداته. الاسرائيلي و الفلسطيني الذي لا يحمل سلاحا هو مدني لا يجب أن يكون ضحية لممارسة مؤذية خلال الحروب. و للأسف عاش المدنيون الفلسطينيون أبشع مظاهر الاضطهاد منذ أكثر من سبعين سنة و لا زالت دول الغرب الإستعماري تنظر إلى هذا الكائن صاحب الأرض مجرد رقم في عداد اللاجئين و القتلى و المعطوبين غير المأسوف عليهم. أمل كل من يعشق السلام أن يسود الهدوء و يعم العدل في قلب الشرق الأوسط و مهد الديانات. في يومنا هذا لا صوت يعلو فوق صوت الداعين إلى الإنتقام المدعوم غربيا و أمريكيا. العنف سيستمر إلى أن تتغير المعطيات التي صنعت الظلم. غير هذا غير ممكن و الحرب لا تصنع المعجزات و لا تولد إلا حالات مؤقتة في الحفاظ على السلام. و لكل هذا لا يمكن أن نتوقع نهاية للازمة الحالية في المدى المنظور. ولن تمحي أية قوة عسكرية صرخة مظلوم و لا ارادته في نيل حقوقه. هل انتصر هتلر الطاغية؟ …
بلادنا ملتزمة بالدفاع عن القضية الفلسطينية و عن مصالح القدس و المقدسيين و هي في نفس الوقت تسعى لسلام حقيقي مع كافة الدول بما فيها إسرائيل. هذا الإلتزام مشروط بالوفاء لمبادئ العدل و حق الشعب الفلسطيني في الوجود و في دولته بحدود لا تخترقها المستوطنات و لا تعرقل حركة مواطنيها حدود وهمية من صنع الصهيونية. صحيح أن المغاربة يفتخرون بكافة مكونات هويتهم بما فيها المكون العبري، ولكل هذا نتمنى أن يكون مغاربة إسرائيل عاملا في صنع سلام يضمن تعايشا عادلا بين الفلسطينيين و الإسرائيلين. و من يبتغى غير السلام العادل سبيلا فسيظل واهما. أريد بصدق زيارة القدس لكنني اغني مع الغيوان منذ عقود و اردد ” يوم ملقاك يوم فرحي و هنايا…يوم نور السلام يلوح فسمايا… اهوين “.