تنحدر فاطمة البقال من عائلة كل أفرادها مقاومون، رأت النور خلال شهر مارس 1940 بمراكش. بعد الوفاة المفاجئة لوالدها، انتقلت بها والدتها زينب البقال الأخت الكبرى للشهيد محمد البقال، وهي لازالت رضيعة إلى بيت جدها الحاج أحمد بلحاج البقال للعيش هناك إلى جانب خاليها محمد وأحمد البقال.
في هذا البيت تربت ونشأت على القيم الدينية والوطنية، وفيه تشبعت بروح الصدق والإخلاص ونبل الأخلاق وحب الوطن، إذ كان البيت يتحول مرة أو مرتين في كل أسبوع إلى مقر لعقد اجتماعات الوطنيين ورفاق الشهيد الذي عهد للطفلة فاطمة أولحاج بمهمة استقبال الزوار والسهر على خدماتهم أثناء اجتماعات هم.
الأمر الذي مكنها من التقاط عشرات الكلمات والمصطلحات ذات الحمولة الوطنية التي لها علاقة بالفداء ومقاومة الاستعمار الفرنسي والباشا الكلاوي ومن يدور في فلكهما، والتي حفرت في ذاكرتها وهي الطفلة الصغيرة.
وكانت فاطمة البقال قد تلقت تعليمها برعاية ومواكبة الشهيد محمد البقال بالمدرسة الحرة –الفلاح الحسنية- بالقصبة، ومدرسة (الفضيلة) بحارة الصورة قبل انتقالها إلى الرباط لمتابعة دراستها الثانوية، وكانت المدارس الحرة في نشأتها كانت مرتبطة بالحركة الوطنية، إذ كانت بها المبادئ الوطنية بشتى الطرق، إلى جانب المقررات التعليمية والتربوية.
بدأت خيوط المؤامرة الدنيئة تحاك ضد العرش المغربي والسيادة الوطنية، عم القلق واشتد توتر سكان مدينة مراكش، كما هو الشأن بالنسبة لجميع المغاربة، وبلغ السخط والغضب الشعبي درجة لا تطاق عندما اختارت الإدارة الاستعمارية بمباركة الباشا الكلاوي وعملاء الاستعمار من قواد وأعيان مدينة مراكش لتنفيذ الإجراءات الرسمية لتنصيب –بن عرفة- بالقصر الملكي سلطانا على المغرب. فبادرت مجموعة من الوطنيين الغيورين المتشبعين بالقيم الوطنية والمسترخصين أنفسهم وأرواحهم فداء للوطن والملك، بتوجيهات من القيادة الوطنية لصد وإفشال عملية تنصيب –بن عرفة- المقرر إجراؤها يوم السبت 15 غشت 1953 بالقصر الملكي بمراكش. وعلى مستوى استقطاب وتعبئة النساء والفتيات للمشاركة في هذه المظاهرة تقول المقاومة النشيطة السيدة زينب علوان إحدى عضوات أول خلية نسائية بالقصبة، كان الشهيد عمل على تكوينها. (كنت وأخوات الشهيد محمد البقال، زينب وفاطمة البقال، والطفلة الصغيرة فاطمة بنت أخته والشهيدة فاطمة الزهراء نقوم باتصالات متعددة في تواصل مستمر مع نساء وفتيات القصبة لحثهن على المشاركة الفعلية في المظاهرة المقررة بالمشور).
وبالفعل كانت مشاركة المرأة المراكشية مشاركة متميزة وفاعلة ومكثفة انطلقت من القصبة بعد صلاة عصر يوم السبت 15 غشت 1953 تحت إشراف الشهيد محمد البقال في اتجاه ساحة المشور.
وعشية اليوم الموالي داهم منزل الشهيد محمد البقال عشرات من أعوان الكلاوي وزبانيته يتقدمهم المسمى حسي، شقيق الباشا وخليفته على القصبة، ولم يكن بالبيت إلا النساء فمزقوا الأفرشة، وعبثوا وكسروا أثاثه، وعتوا تخريبا في كل غرفة أركانه، وأشبعوا آل البقال شتيمة وسبا وإهانة ثم أمروا جميع من في البيت من نساء بالخروج أمامهم بما فيهم الطفلة الصغيرة فاطمة، ولم يتركوا لهن حتى فرصة ارتداء جلابيبهن، فسقن إلى دار الباشا تحت التهديد والكلام المنحط البذيء عاريات إلا ما كان على أجسادهن من ملابس عادية، ومنها إلى دار العريف ب،حي السبتيين المكان المخصص لسجن النساء اللواتي يضبطن في حالة تلبسية لا أخلاقية، أو الخارجات عن الطاعة بمفهومها التقليدي العرفي .
وهناك في ضيافة العريفة قضت نسوة البقال: أم الشهيد السيدة رقية وكانت طاعنة في السن وأختاه زينب وفاطمة والطفلة الصغيرة، والسيدة حليمة العلوي التي كانت ضيفة لدى العائلة.
حشرن داخل غرف ضيقة، مظلمة لا نوافذ بها متربة بدون فراش ولا أغطية ولا طعام إلا ما كانت تحمله لهم السيدة زينب علوان من مؤونة كل أسبوع، حتى الماء الشروب لا يقدم لهن إلا بمقدار في إناء من فخار معد للتبول رائحته تزكم الأنوف، تضيف السيدة فاطمة البقال، وضع سيء تنعدم معه أبسط الشروط الآدمية، عانته عائلة البقال لمدة سنة وأربعة أشهر، ولم يفرج عنهن إلا بعد اعتقال الشهيد محمد البقال وإعدامه بتاريخ 22 أبريل 1954.
لم ينل سجن الباشا الكلاوي من الطفلة، ولا ما قاسته من ويلات ومعانات داخله رفقة عائلتها، ولم تعبأ بوعيد وترهيب وتخويف شقيق الباشا حسي، فسرعان ما التحقت ووالدتها بعائلات المعتقلين ونظموا زيارات للسجون والمعتقلات وتتبع المحاكمات ثم التحقت بالمنظمة التي أسسها البوشيخي ابراهيم عواطف سنة 1955 بالدار البيضاء بعد خروجه من السجن، وبعد استقلال المغرب وعودة السلطان محمد الخامس تولت ورفيقتها في النضال السيدة زينب علوان رعاية وتدبير شؤون أبناء الشهداء.