إدريس الأندلسي
أعترف بأني انتمي إلى جيل قديم و ربما لا يفقه شيئا في فن كوميديا اليوم. و رغم آثار السنين على قدرة أبناء السبعينات على التمييز بين فنان و “فنان” يقف على منصة أو خشبة في يومنا هذا البئيس هذا و قليل الحيلة هذا. الحمد لله أن بعض شباب اليوم يبعثون في نفسي انشراحا بأقوالهم و حركاتهم و نكثهم. نعم هؤلاء مبدعون و غدا سيكونون نجوما.
الكل يعرف أن اليوم يوم استفزاز لكل شيء و خصوصا لمن لا زال يؤمن و يحترم القيم و مبادىء التعامل مع جمهور يضم أطفالا و أمهات و رجالا تربوا على إحترام الكبير و صيانة حرمة الأسرة و المجتمع. قد يعتبر البعض أن هذا الكلام فيه ما فيه من الرجعية. نعم و لكن ليس فيه احتقار المرأة و لا تمريغ شخصيتها في الوحل عبر كلام منحط و غير مسؤول. الكوميديا علم يبنى على موهبة و سلوك ة تكوين ة ثقافة و ليس على مباراة غير مهنية قد تفرز بعض المعطوبين ثقافيا و اجتماعيا و أخلاقيا.
رحم ألله فناني كوميديا الموقف و كوميديا الخطاب و كوميديا الحبكة اللغوية المصنوعة من علماء اللغة . لا أدري إن كان بعض ” المضحكين ” في حاضرنا يعرفون فصول تاريخ الكوميديا المغربية. هل كلمهم أحد عن بوشعيب البيضاوي و القدميري و المبدع الطيب لعلج و عبد الجبار الوزير و محمد بلقاس و عبد الرؤوف و قشبال و زروال . و هل تعلموا ممن لا زالوا يقفون على المسرح و في الاستديوهات مثل السيدة الركراكي والسادة الجم و فركوس و الخياري و غيرهن و غيرهم. و هل تعرفوا على تجربة رائعة و ملتزمة صنعها باز و بزيز. لا أظن أن بعض من يحتلون سوق الكوميديا اليوم لهم خلفية تحفظهم من السقوط في التفاهة و الارتجال غير الموفق. كلهم دخلوا إلى عالم الشهرة عبر إتقان فن النكتة و ليس عبر إتقان علوم الكوميديا. وهذه تتطلب الكثير من العمل الفكري و التكوين الفني. كثير من تجار نكتة اليوم ظلوا بعيدين عن ورشات التكوين المسرحي.
لكل ما سبق، أقول للمدعو طاليس، من فضلك، لا تتوسل التصفيقات. أرجوك، ابتعد عن الارتجال الخطير الذي يؤدي إلى أخطاء لا تغتفر. أتمنى أن تقرأ كثيرا و تتعلم بكثير من التواضع و تتملك أدوات الوقوف أمام الجمهور بإحترام و باحترافية. أخاف من غرور بعض نجوم النكتة على أنفسهم. الأمر كبير و يتطلب الكثير من التكوين المسرحي و كثيرا من الإحترام للجمهور. يا من رضيت أن تحمل إسم طاليس و هو اسم فيلسوف و عالم اغريقي عاش في القرن السابع قبل الميلاد ، اعلم أن الشهرة عابرة مثل السحاب و أن الكلام لا يمحيه الزمن. الغرور يقتل حب الظهور و الكلام الموزون الذي يتم تحضيره بمهنية يحفظ الكرامة و يحمي من السقوط في المحظور. اعتذر بأدب لأن المرأة المغربية أكبر و أعظم بكثير من ملايين ذكور هذا الوطن. النكتة التي تحط من كرامة أم و أخت و ابنة لا يجب أن تدخل إلى حفل يحتفي بالأبطال الذين اسعدوا أبناء الوطن. و دونهم من يحتقرون المهندسات و الطبيبات و المعلمات و رائدات الفضاء و الوزيرات و المقاولات و غيرهن من بطلات هذا البلد. نعم للكوميديا التي تحتفي بالإنسان بمهنية و تكوين و ثقافة و لا للإضحاك المسيء لكل القيم .