إدريس الأندلسي
أصبح احتلال الشواطئ بالعنف و ليس بالقانون عادة متواترة و مستمرة بفضل العضلات و السب و الاعتداء على الكثير ممن يحلمون بقضاء يوم جميل على رمالنا الجميلة. بلادنا الجميلة تحتاج إلى تفعيل القانون و ليس إلى إنتاجه فقط . قوانينا جميلة و كثيرة و نصوصها التطبيقية هي أيضا جميلة رغم سوء صياغتها في الكثير من الحالات، و لكنها تصطدم مع حائط برليني حين يتعلق الأمر بتطبيقها. الاستيلاء على الملك العام و ما تقوم به مافيا العقار للاعتداء على أملاك المواطنين يبين الهوة الكبيرة بين القوانين و تطبيقها.
من شواطئنا الجميلة يبدأ خبث بشري مدعوم، في الكثير من الأحيان، من طرف سلطات ترابية و أخرى منتخبة. الأمر ليس خاصا بالمغرب و حتى فرنسا تعرف شواطئها ممارسات في مجال الاستيلاء على الشاطىء ،لكن قوة المجتمع المدني و دور المجالس المنتخبة غالبا ما يعيد الوضع إلى الطريق السليم. وقد راقتني مبادرة بلدية شاطئية قريبة من مونوبولي حين خصصت مساحات قريبة لركن السيارات بالمجان و رفض دخلا يفوق مليون يورو لتمكين ذوي المداخيل الصغرى من الاستمتاع دون دفع 10 يورو مقابل ساعات بالقرب من الشاطىء. يحصل هذا في الوقت الذي يسيطر فيه أصحاب السترة الصفراء على شوارع بلادنا. و لا زالت الوضعية على ما هي عليه . تقتصر تدخلات السلطات على حملات دون أثر على حماية المواطنين أمام سلوكات تصل، في بعض الأحيان، إلى حد الايذاء الجسدي لمجرد رفض أداء اتاوة غير قانونية.
تدبير الأمور ذات الطابع العمومي تحتاج إلى الكثير من التفكير الموضوعي و المبتكر و غير المرتبط بالمصالح الخاصة. نعم هناك ضرورة قصوى لخلق مناصب الشغل الموسمية، و موسم الصيف يمكن أن يصبح فترة لتنظيم أنشطة مذرة للدخل في الشواطئ. يمكن للجماعات الترابية أن تؤطر أنشطة اقتصادية مع فتح أبواب الإستفادة أمام الشباب. الأمر لا يتطلب استثمارات كبيرة و لكن مبادرات ذات بعد اجتماعي. يمكن للمجالس أن تمول مشاريع تجهيز جزء من الشاطىء بتجهيزات و تحدد أسعار مناسبة لاستفادة الأسر منها. الأمر يمكن أن يشمل الترخيص لفتح مطاعم بالقرب من الشواطئ حسب معايير تراعي مقاييس النظافة و حماية المستهلك و البيئة. و الأهم في كل هذا هو الضرب بيد من حديد على مجرمي تضارب المصالح. تدبير الشاطىء في بلدنا يعيش على المتناقضات. هناك جماعات ترابية بلغت مرتبة الجودة في تدبير عقلاني و موجه لخدمة المواطن أولا. و بالمقابل هناك فوضى الاستيلاء على الملك العام. ما يقع في شواطئ شمال المغرب يجب أن يؤرق الإدارة الترابية و كل السلطات. هل يوجد وعي يمكن من قراءة مستقبلية لردود الأفعال في مستقبل قد يكون قريبا. هناك شعور بالظلم و ب” الحكرة” قد يتحول إلى تغييب الثقة في المؤسسات الترابية. و هذا الأمر في طريقه إلى أن يصبح واقعا معاشا و قد أصبح بالفعل ، و في يومنا هذا ،جزءا من واقعنا.
الولوج إلى الشاطىء في ظروف حسنة و غير مكلفة يعكس مستوى تدبير الجماعات الترابية. كثيرة هي الشواطئ التي تتم السيطرة عليها بإرادة و بمشاركة غير بريئة من طرف عضو نافذ في مجلس ترابي. و لكن الجماعة لا تستفيد من أي دخل يذكر مقابل اغتناء ذلك العضو النافذ. و هذا الأخير يدافع عن مصالحه بمساومات حين يتعلق الأمر بالتصويت على الميزانية و التصويت على استمرار الرئيس و التصويت على التصميم العمراني و التصويت على تفويت الصفقات و التصويت على خلق مناصب الشغل المحلية. هكذا أصبحت مجالسنا الترابية عبئا على الوطن. و من وراء هذا العبىء أحزاب لا تشعر بالطمأنينة السياساوية إلا في حضور ما يسمى بذوي القدرة على تعبئة المصوتين و لو كانوا من أصحاب السمعة السيئة، و لو ارتبط اسمهم من بمخدرات و جرائم و تضارب مصالح. المهم بالنسبة للكثير من الأحزاب و النقابات هو حجم الحضور في المؤسسات و ليس في نوعية من يمثلونها.
يحتاج بلدنا إلى ما سماه الراحل و مؤسس حزب الشورى و الاستقلال ب” الهزة النفسية”. هذه الهزة تحتاج إلى انتفاضات على كل المستويات و المؤسسات. هزة تعزل ممارسة السياسة عن السماسرة و المنتفعين و تجار المخدرات و كافة المجرمين و كافة من اغتنوا بمجرد دخولهم إلى سوق ” السياسة” . نعم بلدنا يطور أداء كثير من القطاعات الإقتصادية و لهذا يجب دعم من يريد أن يستثمر و يخلق القيمة المضافة التي سترفع من حجم الناتج الداخلي الإجمالي و تنعش سوق الشغل. بلدنا تسكنه قوى الإبداع و المواطنة و الوفاء للعهد ، و لكن المفسدين لا زالوا يعيثون في الأرض فسادا. الشاطىء للمغاربة حق من حقوق الإنسان و هو مجرد جزء من قضية كبرى إسمها ضرورة تحقيق العدالة الإجتماعية و المجالية. الأمر يتطلب تدخلا حازما للسلطات لكي لا يتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه. مافيا الشواطئ قد تطور آليات تسلطها لتنفذ إلى مجالات أخرى و تعمق انتقال العدوى التي سيصعب التعامل معها بغير العنف المشروع و الذي ينظمه القانون.