فضيحة امتحان الأهلية : منتوج بنية .. وصناعة منظومة
عبد المولى المروري
لا يستطيع أن ينكر أحد أن امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة 2022 قد شابته الكثير من الخروقات والشبهات على كل المستويات؛ الإعداد، المراقبة، تسريب الأسئلة، التصحيح، مضاعفة عدد الناجحين ضدا على نظام هذا الامتحان وخصوصيته، وأخيرا النتائج الغريبة التي استهجنها سخر منها “الجميع”.. إنه امتحان الفضائح بكل ما تحمل الكلمة من معنى، مشكوك في نزاهته، ومطعون في نتائجه، ولن أتحدث عنه بعد أن أسهب فيه العديد من المختصين والمتتبعين والمتضررين..
ولا يستطيع أحد أن يزين كلام وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أو أن يجد له تبريرا يخلصه من مجموع الجرائم اللفظية التي ارتكبها في حق الشعب والعدل ومهنة المحاماة النبيلة.. فكلامه مستهجن ومتنطع، وصل إلى حد السفاهة في سقوطه، وإلى منتهى الغرور بتركيز شديد من العنجهية والتكبر ..
ويبدو طبيعيا – إلى حد ما – أن يتوجه الرأي العام إلى وزير العدل بكل هذا الكم الهائل من السخط والإنكار والاستهجان والسخرية .. فالوزير هو وضع نفسه في هذا الموقف السخيف الذي يبعث على الشفقة والاستهجان في آن واحد..
ولكن ..
من هو وزير العدل عبد اللطيف وهبي؟
من أي حزب جاء؟
ما هي الانتخابات التي أفرزته؟
ما طبيعة الحكومة التي ينتمي إليها؟
في أي بنية إدارية وسياسية يعمل؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة بالشجاع المطلوبة والموضوعية اللازمة كفيلة بأن توجهنا إلى مكمن الداء وأصل المرض، وتغير اتجاه الاستنكار والمعارضة إلى الوجهة الصحيحة والسليمة والمنتجة..
ماذا ينتظر الشعب المغربي عامة وشبابه ومعطلوه خاصة من حزب مشبوه الولادة والنشأة، خرج من دار المخزن ومن مطبخ الدولة العميقة، جمع شتات مرتزقة اليسار المنتهية صلاحيته بعد سنوات من التعفن الفكري والإديولوجي(*)، يبحث أصحابه عن مواقع جديدة ومراكز متقدمة في بيت الدولة، وضم في صفوفه أعيان المال المشبوه والملوث بتجارات فاسدة، الذين يسعون وراء تبييضه وتنظيفه داخل حمامات الدولة وصفقاتها المزجية، وأصحاب النفوذ وخدام الدولة العميقة ومشروعها الذين يثبتون أركانها ويسهرون على مصالحها مقابل أعطيات سخية؟
ماذا ينتظر الشعب المغربي بكل فئاته وأعماره وأجناسه من حكومة منبثقة عن انتخابات بدأت بقوانين انتخابية “هجينة” وممسوخة، وحملة انتخابية دنسها المال “السائب” وتدخل السلطة السافر، ومكاتب انتخابية متحكم فيها إداريا وسلطويا، انتخابات افتقدت إلى الشرعية والمشروعية، ليس ذلك فحسب، بل أمعنت في الاستخفاف بالشعب المغربي واحتقاره والتلاعب بمصيره وحياته ومستقبله؟
ماذا ينتظر الشعب المغربي من حكومة انبثقت عن انتخابات مطعون فيها كلها من بدايتها إلى نهايتها، جاءت عن طريق تدجين الشعب وتزييف إرادته، وضدا على رغبته ومصلحته؟
هل كان ينتظر الشعب من هذه الحكومة أن تكون صالحة وقد جاءت من انتخابات فاسدة؟
هل كان ينتظر الشعب من هذه الحكومة أن تسعى في مصلحته وهي التي قامت باستغلاله أبشع استغلال؟
هل كان الشعب ينتظر من هذه الحكومة وزراء يتسمون بالنزاهة ويتمتعون بالمروءة، وهم صناعة مخزنية على مقاس مشروع الدولة العميقة، ومنتوج بشري لهم شكل وزراء بلا رأي ولا فكر ولا إرادة ولا سلطة … بل هم زمرة من الخدم صنعوا من أجل الطاعة، والطاعة فقط؟
هل ينتظر هذا الشعب أن تعلن هذه الحكومة وقطاعاتها الوزارية عن امتحانات ومباريات وتشرف عليها بنزاهة وشفافية ومسؤولية ومصداقية وبلا تدخلات ولا رشاوى، وهي التي جاءت من انتخابات بلا نزاهة ولا شفافية ولا مسؤولية بل عرفت أوسع عملية استعمال المال والرشاوى واستغلال النفوذ؟
ما هذا الوهم؟
إن ما نشاهده اليوم من تلاعب في الامتحانات والمباريات وما نعيشه من استهتار واستخفاف بالشعب ومصيره، وما نعانيه من غلاء فاحش واستهداف جبان لجيوب أبناء الوطن المساكين، وما نلاحظه من مآسي إنسانية واجتماعية وحقوقية هو نتيجة طبيعية متولدة عن بنية سياسية وإدارية مغرقة في الفساد والاستبداد.. ونتاج منظومة سلطوية محصنة داخل بيت الدولة العميقة.. ركزت مشروعها في أمرين لا ثالث لهما (توسع هذا المشروع وتفرع في مجالات عديدة)، الأول مراكمة ثروة ونفوذ رجالات الدولة العميقة والمخزن التقليدي، والثاني استغلال الشعب وجعله مجرد زبون تجاري بئيس ومستخدم ذليل لفئة الكومبرادورية التابعة للمخزن..
لذلك، وبدل أن يتشتت النقد وتتفرع المعارضة على القطاعات الوزارية والحكومية المتعددة والضعيفة دون أن تحقق نتيجة، يجب أن يتركز ذلك النقد وتتجمع تلك المعارضة في مواجهة المنظومة المنتجة لكل ذلك، وعلى البنية الحاضنة لكل هذا الفساد والمستفيدة منه والحامية له..
المشكلة هنا من ذا الذي يمتلك تلك الشجاعة والمسؤولية ليوجه المعارضة الوجهة الصحيحة ويقوم بها على الوجه الصحيح، حزبا أو زعيما أو مثقفا أو عالما؟
المشكلة أن الغالبية الساحقة تتحاشى ذلك، وتتفادى نقطة التماس الحارقة.. الكل (تقريبا) يعارض خارج البنية وينتقد في هامش المنظومة، بعض الزعماء من ورق تنتهي شجاعتهم السياسة وعباراتهم النارية عند مهاجمة رئيس الحكومة عزيز أخنوش في النهار ويضاحكه في الليل، وحتى إن بعضهم صرح بأنه لا ولن يعارض الدولة، وهي شهادة تبرئتها من كل ما يقع للوطن والمواطنين من مآسي ومصائب.. وبعض الأحزاب الكارتونية تعارض الحكومة التي لا تحكم ولا تملك أي سلطة أو برنامج حكومي أو مشروع تنموي .. يعارض حكومة لا وزن لها ولا قيمة ولا دور ..
لا أخفي استهجاني من هذه المعارضة المزيفة التي انضافت إلى زيف وسخافة هذه الحكومة، هذه المعارضة مساهمة منهجية في تدجين الشعب وتضليله، ودعوته إلى القبول بالفساد والاستئناس بالاستبداد .. لأنها معارضة تبعد الشعب عن أصل الداء وموطنه، وتغير مركز اهتمامه عن النظر في الانتهاكات الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها..
هذه هي المشكلة في نظري، أما وهبي وأمثاله من الخدم والمرتزقة فلا وزن ولا تأثير لهم في سوق السياسة الراكد ومسرح الحياة المتهالك.. وإني وإن كنت أتفهم حجم السخط والاستهجان الذي يوجه إلى وزراء هذه الحكومة، وآخرهم هو وزير العدل عبد اللطيف وهبي، فإني أكاد أجزم أن ذلك سيظل بلا تأثير ولن يحدث أي تغيير .. ولنا في فضائح سابقة خير دليل .. تغيير الوجهة ربما سيأتي بالجديد …
مع احترامي الشديد لليساريين الشرفاء والنزهاء