آخر الأخبار

فقيه الإقتصاد  و السياسة محمد الحبابي: رحيل جمال التدريس 

إدريس الأندلسي

 رحل منذ مدة  و هو الحاضر دائما في وسط طلبة السبعينات  و من أتى بعدهم.  لم يكن أستاذا بالمعنى الأكاديمي للكلمة  و لكنه كان رجل تعليم  و تربية  و تثقيف  و توعية للأجيال. رحلت إلى  الرباط بصعوبة كبيرة  و كان المشكل الأساسي إيجاد سكن.  لجأت مؤقتا إلى إبن عمي سي محمد الناجي صاحب الفكر المتقد  و المنتج لعدة من أجمل الكتب ذات الصلة بعلم التاريخ  و الاجتماع  و الإقتصاد.  كان حينها في السنة الأخيرة قبل الحصول على الإجازة.  رافقته إلى عدة ندوات  و خصوصا إلى ندوة نشطها المفكر الكبير سمير امين في معهد الحسن الثاني للزراعة  و البيطرة.  كان الحضور كبيرا  بمن فيهم أحد آباء السيسيولوجيا القروية ” بول باسكون” . هذا الباحث ترك كثيرا من الأبحاث  و على رأسها ” حوز مراكش ” الذي لا زال مطلوبا  و معروضا بشكل غريب في آخر معرض للكتاب.  و قبل آخر رحلة بحث له، ترك باسكون سيارته لسي محمد الناجي الذي أعاد المفاتيح إلى تلك المكلومة في أبنائها  و في زوجها.

كان من اللازم أن أذكر جزءا من تاريخ كان يحبه الأستاذ محمد الحبابي  و صولاته في مدرجات كلية العلوم الإقتصادية و السياسية  و القانونية التابعة آنذاك لجامعة محمد الخامس. كان المكان بسيطا  و مرهبا لمن يلجه أول مرة.  كانت الكلية تحتوي على مدرجين  و قاعات لمن يتجاوزون بصعوبة السنة الثالثة المؤدية للحصول على الإجازة.  خلال فترة تدريس الأستاذ محمد الحبابي كان أغلب المدرسين من الفرنسيين  و خصوصا في علم الاجتماع السياسي  و القانون الدستوري  و القانون الإداري و المدني  و الإقتصاد السياسي.  و تطورت أمور التأطير مع وصول أساتذة  مبرزين اثتنين هما  محمد جلال  السعيد و الخبير الدولي محمد بنونة  الذي سيصبح فيما بعد عضوا في محكمة العدل الدولية. 

 و رغم تواصل وصول الأساتذة المغاربة لتأطير التدريس بالكلية، ظل الأستاذ الحبابي ذلك الرمز  و ذلك المربي الذي كان يصر على ربط النظريات الإقتصادية بالسياسات المتبعة من طرف الحكومة.  لم يكن ذلك الذي يريد شحن عقول الطلبة باختيارات دون غيرها  و لكن ذلك الذي يحكي بأسلوب تربوي صعوبات بناء المؤسسات الإقتصادية.  كان ممتعا  و مستمتعا في التعامل مع الطلبة  و كثير  الإستماع إلى أفكارهم.  حاول تأسيس تدريس مادة التكنولوجيا الإقتصادية  و كان يهتم بكل أدوات الصناعة مع تقدير كبير لبراد الشاي. 

في سنة 1977 حل بالكلية أستاذ كبير كان مستشارا للراحل الملك الحسن الثاني  و هو الشيوعي السابق  و مدير الديوان الملكي خلال فترة الاستثناء، إدريس السلاوي قادما من الأمم المتحدة.  اتذكر كم كان ” يتنرفز” حين نعارضه بأسئلة ذات طابع ايديولوجي حول الإصلاح الزراعي. و أتذكر أن طالبا التجا  إلى ذ الحبابي خوفا من تقدير سيء لتعامله مع موضوع سي إدريس السلاوي.  فكان جواب هذا الأخير أنه لن يظلم أي طالب أختلف مع قراءته لموضوع المادة التي درسها  و تخلى عن تعويضاتها لصالح المتفوقين من الطلبة في كافة المواد. 

هكذا كان الدكتور  و المربي محمد الحبابي نموذجا للأستاذ الجامعي الذي نسج علاقات ثقة  و تواصل مع العديد من الأجيال التي تخرجت من كلية الحقوق باكدال.  كان موعد محاضراته باكدال  و بملحقة حي العكاري  موعدا مع قراءة للتاريخ  الإقتصادي الراهن.  كان مديرا لديوان عبد الرحيم بو عبيد في حكومة عبد الله إبراهيم  و ظل وفيا للمبدأ  و خصوصا لرسالته التربوية.  من درس في كلية الحقوق في السبعينيات لا يمكن أن ينسى الروح المرحة للمرحوم الحبابي صاحب الحديث الذي تفتح فيه الأقواس لكي لا تغلق.  و الكثير لم أقله عن هذا الأستاذ المربي المتواضع  و الصبور  و رفيق درب عبد الرحيم بوعبيد  في كل الامكنة بما فيها سجن لعلو  و معتقل ميسور.