إدريس الأندلسي
الساعة الآن الثالثة و عشرون دقيقة زوالا و قد انطلق العد العكسي منذ الصباح. برق و رعد منذ ساعات و قطر..ات الخير تسقي أرضنا الطيبة. اتفحص رسائل الواتساب المليئة بالتمنيات و الأخبار عن مقابلة نصف النهاية. رغم رسائل العقلاء سياسيو التطرف الفرنسي ينعتون مغاربة فرنسا بكل النعوت العنصرية. في البرلمان وزير الداخلية ” دارمانان” يعري العنصريين بالأرقام عن احداث معزولة و آثار محدودة على الأمن و إجراءات قضائية لتقديم أقل من 100 فوضوي أغلبهم فرنسيون. اقطاب العنصرية من أتباع “زمور و لوبين ” و جوقة صحافة معاداة العرب و الأفارقة و الآسيويين ينبحون و يصورون احتفالات المغاربة كأنها إستعداد لحرب أهلية. في المقابل هناك العقلاء و ذوي الفهم التاريخي الذي يعري عهر أصحاب إشعال الفتن و من بينهم أحد عتاة معاداة كل ما هو فرنسي من أصل عربي و أصله هو بالذات من مصر الكبرى و إسمه ” مسيحة ” . تنقل بين قنوات الصرف الصحي العنصرية بين “لوبين و زمور”. أصحاب الشأن الرياضي يتكلمون بكثير من التأني. مباراة كرة القدم تظل مجرد موعد رياضي. هناك عشق كبير للوطن قبل أن يكون لكرة قدم. لا نعرف سوى أن الأسرة الجميلة و الشابة التي سكنها التآلف حول الركراكي تحب الوطن و الكرة و تريد أن تسجل إسم المغرب في الاعالي. و نعرف أيضا و منذ زمان أن هناك مسؤولون و شخصيات سياسية و اقتصادية و جمعوية و أخرى تعيش على ريع أتى من شبكات عائلية تتصرف كالمنشار. تستفيد من كل المواعيد و المناسبات ” فابور”. رأيت في صور بثت من قطر شخصيات غير محتاجة تم الصرف على حضورها من المال العام. رأيت صورة زعيم تقدمي و شخصيات أخرى و أتمنى أن ينشرون على صفحات جرائد احزبهم فاتورة إقامتهم في قطر.
سيبرز إلى الوجود بعد المونديال ” حزب رأس لا فوكا” بمفهوم الإلتزام و الوفاء و وضع الرجل المناسب في المكان المناسب و ربط المسؤولية بالمحاسبة و مراقبة الثروات المشبوهة و متابعة الفاسدين و العمل الجاد من أجل رفعة الوطن. دولة قطر أعطت مثالا كبير المعاني لحبها للمغاربة. الأمير تميم لم يجلس خلال تشجيعه لمنتخب المغرب و كذلك كان الأمر بالنسبة لكل أفراد العائلة الاميرية. و لكن بعض مسؤولينا الكرويين لا زالوا مسكونين ب”ثقافة” فوضوية تتيح الريع و لو كان على حساب سمعة الوطن. و الكل استنكر الفوضى في توزيع التذاكر في مغرب ينظم منذ عقدين عملية مرحبا بكثير من التنظيم العقلاني و الصرامة الأمنية و الضبط الجمركي و التأطير الصحي. لماذا لم ننجح في تدبير نقل المشجعين و القيام ببيع التذاكر بشكل منظم كما هو منظم فريقنا. لا أشك في أن بعض المسؤولين لا يستحقوا أن يدخلوا إلى مجال تدبير كرة القدم ببلادنا. الساعة الآن تجاوزت الخامسة بعد الظهر. مقاهي كل مدن المغرب بدأت تمتلئ بالمشجعين. هناك أمل باد على الوجوه و استعداد كبير للاحتفال . و هناك أيضا علامات خوف و محاولات للتغلب على القلق لدى الكثيرين. لا زالت الأمطار مستمرة بالرباط تصاحبها بين الحين و الآخر موجات متتالية من برق و رعود. قبل قليل قرأت رسالة على الواتساب من أحد الأصدقاء. الموضوع يتعلق برفض أحد الصحافيين المغاربة و هو السيد حافظي للحضور إلى استوديوهات” سي نيوز” الفرنسية للتعليق على المباراة. الصحافي المغربي علل رفضه بوجود شرذمة من اليمين المتطرف لتسييس النقاش حول نتيجة كرة قدم. ونعرف كم تحولت قنوات” سي بلوس” من المهنية إلى العنصرية بأموال و هيمنة عائلة بولوري.. الساعة تجاوزت السادسة مساء و حافلة الفريق الوطني تصل إلى الملعب مصحوبة بالعزيمة و الحب و الدعوات و بالخير الذي يهطل مطرا على أراضي المغرب الكريمة. تزداد التعليقات غضبا على المسؤولين عن توزيع تذاكر الدخول إلى البيت الرائع الذي سيحتضن مباراة النصف بين المغرب و فرنسا. كيف يعقل أن لا تتم إدارة توزيع التذاكر بطريقة احترافية. لا نريد أن يكون جمهورنا الذي تم استقباله بكثير من الحفاوة في قطر جزءا و لو صغيرا في أحداث شغب بالدوحة. و لكل هذا يجب أن يحاسب أي أحد كان سببا في معاناة الجمهور المغربي و في إحراج مضيفنا القطري الكريم و المحب للمغرب.
الساعة الآن السادسة مساء و 45 أربعين دقيقة . لائحة المنتخب المغربي متكاملة مع رص الصف الدفاعي بخمسة أعمدة خرسانية. وسط الميدان سيلعب دفاعا و هجوما مع السهم الوحيد النصيري. رئيس الفيفا يصرح أن الأمور تسير على ما يرام. مباراة اليوم تضم فريقان من العيار الثقيل حسب تعبيره رغم غيابين في المنتخب الفرنسي بسبب علة صحية. محلل مغربي من فريق ” بين سبورت ” متفائل بانتصار المغرب.
دخل الفريقان إلى أرضية الملعب و الساعة تتجاوز الآن السابعة و النصف مسآء. معلقو قنوات بين سبورت يركزون على أهمية الهجومات المضادة لكن يحذرون من خطورة الكرة الثابتة. رومان سايس يتحرك باناقته المعتادة و يعطي الإشارة أنه في خدمة فريقه و وطنه رغم الألم. المعلقون يتطرقون للمواجهة بين أشرف حكيمي و صديقه كيليان مبابي و للصراعات التي ستعرفها خطوط الدفاع و الهجوم لخلق النتيجة. الترقب و الإحتياط و سلوك أفضل السبل لاحتواء الهجومات المباغتة و الرد عليها بالهجومات المضادة قد تصنع الانتصار.
و انتهت المباراة و عرفنا ان السر في الحفاظ على الخطة و عدم اللجوء إلى المغامرة خارج الدفاع و بعده الهجوم. تركنا لفرنسا كل مجالات ضعفنا التكتيكي رغم أداء لاعبينا الرائع. لم يتحرك كثيرا ” مبابي” ولكننا رجعنا، بكل رفاهية، إلى ” النية التكتيكية. ولقد شاء القدر أن نواجه أكبر منتخب افريقي مطعم بلاعبين من طينة رفيعة المستوى.
لن ألوم أي لاعب أو مدرب أو تقني كان مصدر فرحة عمت الوطن. و لكني ألوم من سهل تفوق أكبر منتخب افريقي يمثل قارة بتاريخ و قهر استعماري يتجدد دون أثر على توالد فكر استعماري سكن أحزاب تنتمي إلى زمن الحنين إلى كل أرباب النازية. أخاف على فرنسا اليوم و التي قد تحمل ثلاثة كؤوس عالمية أن تستهدف بأسلحة يمين متخلف و مؤمن بغد مطهر من كل عرق لونه أصفر أو اسود أو خاضع لمضاعفة لوثت صفاءا لجنس ابيض.
هنيئا لأفريقيا لأنها قد تحمل كأس العالم بإسم فرنسا الأم الإمبراطورية. ألوان سمراء أصرت على أن تصنع قوة بإسم لا شيء. إنها فرنسا التي تسيطر عليها عنصرية خبيثة مع الأمل في القضاء عليها بفكر الأنوار. الأهم هو ما ربحناه كوطن من تقدير لأنفسنا و من تقدير دولي و من تلاحم كل فئات مجتمعنا. إنها الشخصية المغربية التي تربعت على عرش القلوب. غدا سنحمل الآمال في مجالات أخرى بنفس الإصرار و العزم. و كل متخلف عن الموعد يجب أن يترك السفينة تبحر في بحر التنمية و العدالة الإجتماعية و بسلوكيات مواطنة مسؤولة و معتزة بخدمة الوطن.