َنحتاج الى اصلاح شامل للقطاع العام بالشكل الذي يجعله يلعب الادوار الموكولة له في تثمين الثروات الوطنية وتنميتها، وليس التصرف فيها بعقلية الاقطاع والريع، و في تقديم وتجويد الخدمات العمومية المقدمة للمواطنين، وليس للصفقات الموسومة بالفساد و تمكين الزبناء من مواقع مدرة للثروة الخاصة، وايضا واساسا المساهمة في تمويل خزينة الدولة كي تكون قادرة بدورها على تمويل السياسات العمومية والتنمية بالبلاد،وليس عبئا عليها تستنزف مداخيل متاتية من الضرائب التي يدفعها المواطن والمقاولة.
هذه الحاجة قائمة مند عقود من الزمن وليست مستجدة. ومند عقود ونحن نسمع عن اصلاح لم يات، وما اتى هو الخوصصة التي مكنت من نقل ملكية عدد من المؤسسات العمومية الى اثرياء البلد وشركائهم الاجانب بشكل بعيد عن الشفافية في اغلب الاحيان وبمنطق ريعي بعيد عن منطق التنمية والاستثمار لبناء المغرب الذي يتطلع اليه المغاربة، مغرب ينمحي فيه الفقر وتتقلص فيه الفوارق وتختفي فيه المظالم وممارسات النهب والفساد… وكل ما نعيشه والفنا التعايش معه الى حد انه صار جزء من هوية. وعلامة.
وحين يعود التاكيد رسميا على اصلاح القطاع العام، فانه يحق للجميع من باب الغيرة الوطنية والحرص على عدم التكرار، والمصطلح له مكانه في مجال الاقتصاد كما في العدالة الانتقالية، وحرية الراي والتعبير المكفولة بالمواثيق الدولية المصدق عليها من طرف الدولة المغربية، يحق للجميع طرح الاسئلة الحقيقية، من قبيل : هل هناك ارادة حقيقية لاصلاح هذا القطاع الغارق في الفساد والتبدير فعلا ام ان الامر يتعلق مرة اخرى باستغلال مفهوم الاصلاح للقيام بتفويتات تبدد ماتبقى وتنفخ في بعض الثروات؟
المعلومات المتسربة عن المشروع قيد الاعداد لاحداث الوكالة الجديدة التي سيسند اليها التكفل بالقطاع العام ومساهمات الدولة في القطاع شبه العمومي تجعل المتتبع يصل الى خلاصة ان الوزير بنشعبون، ممثل حزب تجمع الاحرار الذي اسسه وقاده من افسدوا القطاع العمومي والادراة والجماعات الترابية، بصدد خلق شئ لاعلاقة له بالاصلاح ولا مولاي ابيه، سيقوم بافراغ مديرية القطاع العام التابعة لوزارة المالية ويشل قدرة اي مؤسسة من مؤسسات الدولة، بما فيها البرلمان، على مراقبة القطاع العام او تقييمه او التقرير بشانه مادام ان كل وحداته ستصبح شبه فروع للوكالة المحدثة في شكل قريب من الشركات القابضة (الهولدينغ).
والخطير في الامر، وفي وقت لانكف فيه عن ترديد كلمة الديمقراطية في الخطابات والنقاشات، ان دخول القطاع العام تحت وصاية الوكالة، خصوصا بعد الاتجاه السائد الى تحويل مختلف وحداته الى شركات مساهمة على مدى السنوات الفائتة، سيحرر الحكومات من طلب اذن البرلمان بالخوصصة او التفويت الكلي او الجزئي الى الخواص ومن مراقبة البرلمان او اي مؤسسة اخرى لقرارات التفويت التي سيعود فيها القرار للمجلس الاداري للوكالة التي ستكون رئاستها لوزير المالية. وفي بنية من قبيل الوكالة المنتظرة سيكون من المستحيل على البرلمان او المجلس الاعلى للحسابات اوغيره التعامل مع فروع كثيرة وفهم طريقة تدبيرها والا كان ممكنا فهم مايجري في فروع صندوق الايداع والتدبير مثلا، لان التفريع يخلق متاهات ويفتح ابواب الفساد، وربما نسي الجميع ماحدث بمكتب التنمية الصناعية الذي تمت تصفيته بعد ان ابتلع مالا كثيرا، وناذرا، وبيعت بعض وحداته بالدرهم الرمزي لنصابين مغاربة واجانب (لاسميكس).
ان احداث الوكالة، كغيرها من الوكالات، يسترجع منطق l’agencification الذي اعتمد في بعض البلدان للانتقال من الديمقراطية الاجتماعيةالى االليبرالية. ويتعلق الامر هنا بتحوير لذلك المنطق بالشكل الذي يجعل الاقتصاد يخرج نهائيا من دائرة الماكرو بولتيك، او السياسة الكلية، وتحييد دور البرلمان والمراقبة الشعبية، وحتى تحييد سلطة الحكومة ككل عدا وزير المالية، المعروف انه ياتي بلباس حزب الفساد والمنتظر ان ياتي بنفس اللباس في ظل التوجه الحالي الى تتويج زعيمه اخنوش رئيسا للحكومة. المقبلة.
مايبدو انه اصلاح في بعض الاحيان، وما يمكن ان ينجر النقاش العمومي الى اعتباره كذلك، قد يخفي اشياء لا تخدم في شئ الاصلاح الحقيقي التي تحتاجه البلاد لانهاء سياسة الوزيعة والهريف والظلم والانتقال الى سياسة تضعنا على طريق تنمية دامجة ومنصفة تجنب البلاد اخطار كبيرة تتهددها وتجعل المغاربة جميعا ينظرون الى المستقبل بتفاؤل. وعدا ذلك يظل السؤال مطروحا هل تستطيع الوكالة تولي مسؤولية كل وحدات القطاع العام ومساهمات الدولة بمختلف مكوناتها؟ دون ان تخلق داخلها اصطدامات يمكن ان تدخل في متاهات.
هذا ماظهر لي في ضوء المسودة المتعلقة باحداث هذه الوكالة العجيبة.
محمد نجيب كومينة / الرباط