هذا هو حالنا !! ننتظر أن يقع الفأس في الرأس لنتذكر بأ ن في أحيائنا وشوارعنا وبيوتنا , ومن ذوي الأصول ” ذئاب بشرية” تتربص بلحم بني جلدتها . وحين تسقط الضحية , امرأة كانت أو قاصرة أو طفلا أوطفلة بين يدي حيوان مفترس في هيئة بشر , تتعالى الصرخات المنددة , والتنديدات القوية المطالبة بالقصاص , والتطبيق الصارم للقانون . وها نحن اليوم في نفس الوضعية مع فاجعة الاغتصاب ثم القتل للطفل عدنان بمدينة طنجة .
نعم , لقد قامت الجمعيات النسائية , ومازالت بمجهودات كبرى للتحسيس والتوعية بخطر فشو ظاهرة الاغتصاب والتحرش بمختلف أشكاله , وساندت الضحايا معنويا وماديا وقضائيا , ولكن يبدو أن لهذا المجهود حدوده الموضوعية والذاتية , فاليد الواحدة لا تصفق كما يقال, وهذا ما يفسر النزوع المجتمعي شبه العام نحو التطبيع مع هذه الآفة .ومن هنا
تأتي ضرورة و استعجالية وضع إستراتيجية وطنية _ مجتمعية لمواجهة هذه الآفة ,تنخرط فيها كل الفعاليات والهيئات السياسية والحقوقية والجمعوية ووسائل الإعلام و جميع قنوات التنشئة الاجتماعية , و تعمل (الإستراتيجية)على تقوية الترسانة القانو نية الرادعة لتكرار جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي ,وتبسيط مساطرها بما ينصف الضحايا ويوقف التساهل مع المعتدين أو إفلاتهم من العقاب .
.لنعترف جميعا,بجوانب القصور واللافعل القائمة , ونحن نواجه من حين لآخر فواجع المعلنة, اما الخفي منها فهو الأكثر وأعظم في معاناته, أذكر منها بايجاز:
_ تقصير في المواكبة الطبية النفسية لضحايا الاغتصاب والتحرش الجنسي ,لعلاج صدماتهم التي تصبح متحكمة في مجرى حياتهم , وتتسبب لهم بالتالي في اضطرابات نفسية تقود أحيانا إلى الانتحار ,أو إلى احتراف الدعارة..
_ الاستخفاف بهذه الظاهرة الكارثية من طرف الفئات المجتمعية المفترض فيها بحكم ثقافتها وموقعها الاجتماعي أن تكون طليعية في فضحها والتصدي لها والتحسيس بآثارها التدميرية لمستقبل يافعات ويافعين من شبابنا. .
_ تقصير قضائي ظالم اتجاه الضحايا , حيث يتم إطلاق سراح المجرمين المعتدين , كما وقع سابقا بناحية مراكش ما أدى إلى انتحار الضحية التي تعرضت لاغتصاب جماعي فضت فيه بكارتها.
_ تقصير في التربية المدرسية , وفي أجهزة الإعلام بمختلف أصنافها في التوعية والتحسيس , والتكوين لشبابنا في المسألة الجنسية كمسألة حيوية تتعلق ببعد أنطولوجي للإنسان , هو البعد البيولوجي الذي يتقاسمه مع الكائنات الحيوانية . إن أنسنة هذا البعد و تهذيبه رهينان بتحمل المدرسة والإعلام ومختلف وسائل التثقيف مسؤوليتها في ذلك , فمتى سينتبه أصحاب القرار التربوي إلى أن الوقت لم يعد يسمح بالتلكؤ في إدماج مادة التربية الجنسية ضمن المناهج والمقررات الدراسية من الابتدائي إلى الإعدادي؟, فبدون ذلك سينشأ الطفل ( ة) المغربي على تمثلانه الخاطئة للجنس الآخر وعلى استيهاماته للعملية الجنسية التي قد تقوده لانحرافات خطيرة أو عقد نفسية مستعصية. ..
وبإيجاز , فإن مواجهة جرائم الاغتصاب والتحرش والبيدوفيليا هي معركة مجتمعية ذات واجهتين حاسمتين في ربح رهانها الإنساني :
_ الواجهة التربوية التوعوية في الأسرة وفي المدرسة, والتحسيسية أيضا للكبار الذين يتعاملون مع الظاهرة إما باستصغار وتعالي, وإما بالخوف من الفضيحة أو العار عندما تمسهم بشكل من الأشكال . إن الصمت هو تكريس للظاهرة وتشجيع للفاعلين المجرمين على التمادي في إيذاء النساء والطفلات وحتى الرضع بغريزتهم المتوحشة. _ الواجهة القانونية , وذلك بتشديد الأحكام على مرتكبي فعل الاغتصاب والعنف ضد النساء والطفولة , وتسهيل مساطر التقاضي بالنسبة للضحايا , الذين غالب ما يصبحون بفعل الأداء القضائي المتساهل ضحايا مرتين, ما دمر مستقبل العديد منهم . إنها مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى إذ لا يستقيم بناء دولة الحق والقانون دون حماية حازمة لكرامة النساء ولبراءة الطفولة ..
بدون العمل في هذا الاتجاه, سيصبح أطفالنا وطفلاتنا ” مشاريع ضحايا” تلك الذئاب البشرية.
سلام على روحك الملائكية يا عدنان.. والصبر الجميل لوالديك , ولجميع أصدقائك وأقربائك .
جليل طليمات / الرباط