محمد الحبيب طالب
لنترك هذا الموضوع الكبير عند هذا الحد، لكي ننتقل إلى ما يهمنا أساسا، وفي بدئه، أني اخترت في الأخير العنوان (ليلة القبض على إسرائيل). وهو تعبير مجازي، قصدت منه، أن معركة 7 أكتوبر في مجابهتها لحرب الإبادة، وفي تعدد فعالية جبهات المساندة، قد وضعت إسرائيل في كماشة لا مخرج لها منها لأزمة انحدار يتفاقم استراتيجيا ووجوديا . هذه هي حال إسرائيل اليوم، بعد أن ورطت نفسها في معركة أكبر منها. لم يسبق لها مثيل في كل المعارك والحروب السابقة. ولهذا تستحق ليلة 7 أكتوبر أن يطلق عليها مجازيا “ليلة القبض على إسرائيل” والسؤال هنا، هل هي فعلا في هذا المآل المهزوم سلفا؟
لنبدأ بسؤال فرعي تكرر طرحه طيلة هذه المعركة: من يحكم من، هل أمريكا أم إسرائيل ؟ كيفما قلبنا وجوه الترابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تكون النتيجة لصالح الأقدم والأكبر والأقوى على كافة الأصعدة، مهما كان دور العوامل الأخرى الثانوية المؤثرة ولكنها متغيرة أيضا، كهيمنة الإيديلوجية الصهيونية على قطاع كبير من النخبة والمجتمع، ومنها الدور الوظيفي المهيكل الذي تقوم به الطائفة المستحدثة المعروفة بالمسيحية الصهيونية، ويقدرها البعض بزهاء أربعين مليونا منتميا، ومنهم قادة ومسؤولونَ كبار، ثم فضلا عن النفود القوي للوبي الصهيوني “إيباك” لقوته المالية والإعلامية ولانغراسه في كافة مؤسسات الدولة . ويزيدهما سلاسة لا مرئية الترسبات الباقية في اللاوعي الجمعي عن نشأة الدولة الأمريكية على أنقاض شعبها الأصيل، فيما يشبه قيام الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني. لكن لتلك الظواهر الواقعية حدودها النسبية إذا ما دعت المصلحة القومية الأمريكية لخلاف ما، وإذا ما تراجع النفود الأمبريالي الأمريكي عالميا. ولأن هذا النظام العالمي الأمبريالي يشهد في المرحلة الحالية صراعات تصبو إلى تغييره نحو عالم متعدد الأقطاب، يكون مفهوما لماذا يتسابق كل عتاة الأمبريالية لحماية إسرائيل، وفي مقدمتهم أمريكا، كي لا تضعف إسرائيل ويتراجع تفوقها ودورها الوظيفي كقوة ضاربة في المنطقة للنظام العالمي الوحيد القطب.
في هذه الأجواء، ثمة ظاهرة أخرى فرعية من المحبذ الالتفات إليها، وهي سمة ملازمة غالبا لأية دولة كبرى تكون في مرحلة التراجع لفقدان قدراتها الأكبر في الحفاظ على دورها ونفوذها السابقين. إذ في هذه الحالة يستمر بل يتضخم لديها غرور العظمة كرد فعل إنكاري لتراجعها الفعلي، ريثما تستفيق بعد وقت ما، من غيبوبتها وردود فعلها اللاعقلانية على واقعها الجديد. وبهذا المعنى، تمارس لوقت ما سياسة تنبني فقط على القوة لكنها “قوة مفوتة “لأن عضلاتها تراخت وفقدت قدراتها على ما كانت عليه. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تستفق بريطانيا العظمى و(فرنسا) على واقعهما الجديد الذي خلفته موازين القوى للحرب العالمية الثانية، إلا بعد إدعانهما لوقف عدوانهما الثلاثي (مع إسرائيل) على مصر في سنة 1956 بإنذار من الولايات المتحدة من جهة والاتحاد السوفياتي من جهة ثانية وهما القطبان اللذان توليا قيادة العالم في المرحلة التالية