حياة فكر.. وروح..ومشروع ..
تحل اليوم الذكرى التاسعة على رحيل المفكر محمد عابد الجابري .. ولا تملأ الفراغ الكبير الذي تركه رحيله في الحقلين الثقافي والسياسي غير العودة إلى ما خلفه من ذخيرة فكرية ثرية تجمع بين النقد والتحليل والبحث العميق في النصوص التراثية والحديثة المعاصرة , وبين المواقف المبدئية والعقلانية والواقعية من قضايا عالمنا المعاصر بتناقضاته وتحولاته الكبرى .
في دراسة تحت عنوان المشروع الرباعي كتب حسن حنفي بمناسبة الذكرى الأربعينية لفقيدنا الجابري : ” العزاء يقوم على ذكر المآثر, والدراسة تقوم على الحوار والمناقشة (…) والمهم هو تطوير الجابري وليس تقليده، إعادة قراءته، وليس تكراره، فتح المجال لأجيال ” “جابرية” قادمة لمناقشة المؤسس …” . وفي نفس السياق والمناسبة، كتب طيب تيزيني ” إن الوفاء للمفكر الراحل الجابري يعني ضمن ما يعينه متابعة ما أشعله من مواقف وقضايا ”
فلتنم معلمنا وأستاذنا الكبير مرتاحا: فهذه أجيال من الباحثين اليوم, تشكل” الجابرية” بالنسبة لهم مرجعا لا غنى عنه , ليس تقليدا ولا استنساخا له ( المرجع) , وإنما باعتباره منيرا ومرشدا, وأرضية معرفية صلبة لكل تفكير نقدي وعقلاني واجتهادي في استراتيجيا مشروع “إعادة بناء الذات العربية”من داخل التراث العربي الإسلامي , وتجديد العلاقة معه “بالانتظام فيه” بأفق التوظيف الخلاق له في مواجهة حاجيات العصر ومتطلباته التاريخية المصيرية , وربح رهانات العقلانية والحداثة والديمقراطية .. كما تفصل في ذلك عشرات مؤلفاتك.
إنه “المشروع الفكري الجابري” الذي تفرغ له فقيدنا ما يزيد عن ثلاثة عقود من أجل صياغته صياغة نسقية, معرفيا ومفاهيميا ومنهجيا وإيديولوجيا.., وذلك بعد أن أفنى شباب حياته في النضال الوطني والديمقراطي التقدمي, دون أن ” يستقيل” خلال تلك العقود الثلاثة من قضايا وطنه ومجتمعه وأمته , فقد كان له حضور دائم فيها , رأيا وتحليلا ومواقف منها ومن تفاصيلها وهو يواصل”في محرابه” البحث والتنقيب والتأليف.. مستحقا بذلك, وعن جدارة صفة ” المثقف العضوي”, فلم يكن الإنتاج الفكري والمعرفي عنده مدعاة للاستعلاء عن قضايا الشأن العام أو الابتعاد عنها, بل ظل يعتبر حضور الفكر والمفكرين في جميع مجالات وانشغالات المجتمع واجب فكري ونضالي وأخلاقي وتنويري..
و سلام عليك أيها الغائب جسدا ,, والحاضر الكبير فكرا وروحا.. ..
جليل طليمات / الرباط