*مصطفى المنوزي
في ظل نظام سياسي يأبى التحول لا يمكن ، والحالة هاته ، سوى اختيار مسار التسوية ، في سياق تأهيل التعاقد على اساس بلورة جيل جديد من الإصلاحات يهم بالاساس رد الاعتبار للدولة الاجتماعية وترسيخ مقتضيات الأمن القضائي ، مسار جديد للتسوية بأخلاقيات حداثية ، دون المساس بالصلاحيات الدستورية ، بالبعد الديموقراطي للمؤسسات المنتخبة ، على الخصوص في بعض القضايا التي يعتبرها الفاعل الحزبي او السياسي تدخل ضمن المجال الخاص والمحفوظ للملك ، من سياسة أمنية وشأن ديني وكذا القضايا الوطنية المصيرية ، التي لا تقربها الحكومة لأسباب تاريخية وتمثلاتية .”
وقد سبق لنا ان صرحنا بان العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد لم ترق الى مستوى التسوية لأن الدولة مترددة ، ناهيك عن تردد بعض الهيئات السياسية في الاعتراف بجدوى مسلسل العدالة الانتقالية ، مما يستدعي فتح نقاش عمومي تشاركي حول جدوى التواصل التاريخي الذي يعوض لدى الدولة واجب إحداث القطيعة مع ماضي الاستبداد والفساد لينحصر الوقع السياسي والاجتماعي في مجرد تكيف بدل التحول ..
إن المقصود بالتحول المنشود هو الذي يتعلق بالبنية التقليدانية ، اما الفعل السياسي فهو يدخل ضمن المتغير ضمن الزمن السياسي ، والتسوية لا يمكن ان تنشط في سياق الزمن الاجتماعي الذي يقتضي تغيير حقيقي في البنيات والمنظومة . وفي ظل انعدام القطائع لا يمكن سلوك سوى خيار التسويات الضرورية مع التباث على المبدأ ، والتسوية بالنسبة لنا كحقوقيين (إصلاحيين بسقف ليبرالي ) لا تعني سوى احراج الدولة في شخص ممثلها الدستوري بضرورة احترام التزاماته ، فتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة حولها خطاب تاسع مارس 2011 الى التزامات تعاقدية تجاه الضحايا والحقوقيين ثم الوطن . والتسوية ينبغي تفتح افقا جديدا لنقد اشكالية تجاوز عقدة ” عقيدة الحكم ” المبنية على التسلط ، بالنظر الى ضعف انخراط الاحزاب السياسية وباقي المؤسسات من حكومة وبرلمان في صياغة ” تسوية القرن ” والمساهمة في تنفيذ بنودها ، تسوية اضطرارية بالنظر الى تفاوت نضج الحركة الحقوقية الوطنية ، مما جعل جهود بعضها ينصب على هوامش التسوية بدلا من التركيز على جوهرها ، في ظل معاينة تردد الحكومات وتقصيرها واعتبارها ان نتائج تسوية ملف الانتهاكات هو موضوع يعني الدولة والضحايا ، وان دورها يقتصر على توقيع شيكات تعويض الضحايا او قرارات ادماجهم ، علما ان هذه العملية لا زالت تعاني من التعثر ، والحال أن مقتضيات الزمن الاجتماعي المنتجة ، تتطلب كثير من التنازلات الإيجابية على مستوى السياسة دون الفكر ، بدل مؤامرة الصمت والتراخي واللامبالاة . فهل تقبل الدولة التحدي وتعين وسطاءها الاصلاحيين ، خاصة والمغاربة بصدد الإحتفال بعودة السعادة إلى القلوب على إثر ما تراكم نسبيا من منجزات رياضية بقطر ، وهي مؤشر بأننا لم نفلح في إستثمار اللحظة التي لم تكن صدفة ، بل هي ثمار ما تم في القطاع وما صاحبه من رأي عام ” رياضي ” استطاع بدوره أن يتفوق على ” الرأي العام السياسي ” لأسباب يطول شرحها وعلى الأكاديميين تحليلها وتشخيص دوافعها وعواملها ، بعيدا عن أي لغة للتبخيس والتحقير أو التخوين بخلفية تكريس خطاب التأزيم ، في ظل انعدام إرادة لسن ضمانات عدم تكرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ؛ وبذريعة ” إنضاج ” الظرف الثوري / الموضوعي ، والحال أن الذوات منهارة والبوصلة تائهة منذ أن تم إحلال النضال الحقوقي بسقف ليبرالي ” بديلا ” عن الفعل الحزبي /السياسي المؤسس للتغيير والمهيكل لاستراتيجية النضال الديمقراطي ، والتي لن ينفع معها تقديس ” الشعب ” ما دامت الثقة اضمحلت تجاه كل ما هو مؤسستي مشروط بالنقد والمحاسبة والمساءلة .
*رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن