لست أدري من أين أبدأ حديثي في هذه الأمسية الجميلة الجمال المضاعف الجمال المركب الجمال العميق. إنه كذلك لأنه يجمع حضورا يحتفي بكل ما هو جميل في هذه الحياة يذهب إلى عمق الأشياء، يذهب إلى الوجدان يذهب إلى العقل يستنفر الإرادة بقوة وإصرار، رغم مثبطات القشور والأشواك المختلفة والعقبات غير القابلة للحصر والتحديد، لينتصر للفرح ليعانق الأمل ويرافق المحبة، ليس كصنو لها فحسب، وإنما باعتبارها الأس المكين لكل أمل وفرح واحتفاء.
إنه كذلك، أيضا، وأيضا، لأنه يجمع أكثر من مناسبة جميلة في جلسة واحدة، وربما عبر نبرات موسيقى واحدة، كلمة كانت، أو إيقاعا، على شكل همس أتت أو على سبيل الجهر اختير لها أن تكون. إنه بكلمة، يجمع بين جمال الشعر في يومه العالمي وبين جمال المرأة والأم في يومهما العالمي وبين الربيع وألقه اللامتناهي وبين يوم ليس كأيام السنة الأخرى بالنسبة للشعب الفلسطيني ولكل الشعوب المحبة للسلام والحرية في العالم يوم الأرض يوم التطلع إلى التحرر والإنعتاق من قيود الإحتلال ومفرداته جميعها وهو يصادف الذكرى الأولى لمسيرات الشعب الفلطسيني من أجل العودة ضدا على سياسات التهجير التي كان وظل ضحيتها على مدى عقود طويلة من الزمن.
فالشعر بهاء وليد الدهشة. والمرأة عشق البهاء المتجذر في الأعماق الإنسانية، منذ الأزل. والأرض تكريس للبهاء والخصوبة والثبات في وجه كل أعاصير الحيف والظلم والإقتلاع. والربيع بدايات مزهرة للبهاء للخصب لكل مباهج الأرض والروح والجسد الحالمين برحابة الآفاق الجميلة البعيدة القريبة.
الشعر يسائلنا في جل لحظات الحياة. يسائلنا في صمت ناطق بغير لغة وفِي صخب دون ضجيج. الشعر يسائلنا في صمت التأمل في الذات وما حولها وفِي صخب مواجهة ترسبات المحيط وجنوحها وجموحها في غير ما اتجاه. يسائلنا في الأرض وهي تحتفي بفصل الربيع وتبهر بسخائها في كل الفصول، والشعر يسائلنا في المرأة سؤال الرقيب العارف، سؤال البريء من كل القيود غير قيود الجمال وما أعذبها من قيود وما أرحبها من مساحات تخترق كل القيود.
والمرأة تسائل الوجدان الكوني فينا، تسائل الضمائر الحية في توترها الدائم بين المسؤولية المتأصلة وبين غفوتها الآنية. المرأة تسائل الحرية في مداها الخاص، مدى كونها حرية مكتملة الأركان أو كونها مجرد شبح هامة أسطورية مبتورة الملامح مفصولة عن واقع المرأة في بعدها التحرري العميق. في خصوبتها في إيحاءاتها اللامتناهية في ألغازها القادرة على فك كل الشفرات والألغاز، بكل اللغات على مدى الجغرافيات الإنسانية والأزمنة المفتوحة منذ الأزل إلى الأبد اللامتناهي.
أما الأرض فتسائل الحرية وتسائل المرأة وتسائل الضمير كما تسائل الشعر وهي لا تني تسائل الحياة في مظاهرها المتعددة وتجلياتها الكامنة في الأعماق المشرئبة إلى الحضور.
الأرض تسائل الحرية من خلال دعوتها إلى إدمان الانتفاضة على الإحتلال الغاشم. والأرض تسائل إنسانها عن مسؤولية رعاية العهد في الأرض وفِي كل أرض محتلةً كانت أو شتاتا كما تصنف زورا وبهتانا. فالأرض هي الأرض بإنسانها الذي يرفع راية الأنتماء ويدفع ضرائب الانتماء شعورا وذاكرة نضالا وتضحيات لا تخضع للسقوف والمساومات. إنها الأرض البوصلة التي لا تخطيء الهدف رغم كل غبار أعاصير التذبذب والخيانات الصغيرة والكبيرة خيانات الضمير وخيانات الفعل.
إنها الأزض المفجرة لانتفاضات الشعب عبر السنين قبل كل الوعود الاستعمارية وبعد كل الوعود، وهي الْيَوْم ساحة مسيرات العودة التي قدمت في سنتها الأولى أكثر من مائة وخمسين شهيدا وما فتئت تغذ السير إلى الأفق الوحيد الذي يعتبر أفقا، أفق الحرية والإنتصار على الحيف والظلم، على الاحتلال والاستيطان لبناء فضاء الشعر الحقيقي في بهائه اللامتناهي، لوضع تيجان الإعتزاز والفخر على رأس المرأة الفلسطينية التي أنجبت أبطال وبطلات مسيرات العودة وعلى رؤوس كل النساء اللائي أعطين للانتماء معنى وللمسؤولية معزى وللإنسانية أفقاً
فتحية لهن في عديهن الذي عيد للإنسانية وتحية للمحتفين وللمحتفيات بهذا العيد وبيوم الأرض ويوم الشعر تحية لكم جميعا واسمحوا لي أن أشارككم قولا لي في نضال شعبنا الفلسطيني وهو في خضم مسيرات العودة التي انطلقت في مثل هذا الْيَوْم من العام الماضي
صرخة موؤودة
صباح ليس ككل
صباح
صباح صرخة
موؤودة في صخب
النواح
صرخة أم ثكلى
مكلومة
تقفو أثر وليدها
لا تلوي على شيء
تبكي
وتبكي عبرات
حارقة
دون صدى
في أفق الضمائر الخاملة
في حضرة تواطؤ القريب
وجبروت البعيد
صرخة فتى مفجوع
يرقب عودة
أب بلا عودة
قضى
بلا رحمة
على حاجز هنا
في نفق هناك
على طريق هنا
في حقل هناك
صرخة الأرض المسلوبة
تنشد الانعتاق من أسر
الحيف وسطوة الحقد
وجدران الضغينة
الإسمنتية
وأسلاك العار
مغتالة
الخصب في
فلسطين
تروم اجتثاث السنديانة
من جذورها
غدرا
اغتصابا
إرهابا
من عمق أرض النبوءات
فلسطين
فلسطين الشهيدة
تنشد العودة
على جسر فلذات
الأكباد
في طوابير الاحتجاج
يتطلعون إلى الشمس
يرفعون الشعار الممنوع
في وجه الغطرسة
يتساقط الشهداء تلو الشهداء رافعين
شارات الانتصار
وألوية النصر الآتي
تحت أزيز الرصاص
الرصاص المطاطي قالوا
الرصاص الحي قالت الأجساد
المسجاة هنا
وهناك
تنزف
قانية تعلن الارتقاء
إلى عنان السماء
تسخر من الموت
في ملكوت الأبدية
تزغرد الأمهات رغم الجراح
كناية على الأمل المفتوح
على بوابات المستقبل
زغرودة الألم المكظوم
يقض مضاجع الاحتلال
يوقظ في أعماقه رهاب المستقبل
وظلام الغايات والمصير
حسن السوسي / لندن