إدريس الأندلسي
تتبع بعض المهتمين بالشأن العام تفسيرا واضحا للتعديل الحكومي. سأل الصحافي البلهيسي الرجل السياسي و قائد سفينة الحكومة السيد اخنوش عن أسباب التعديل فكان جوابه مفيدا و معريا لواقع ممارسة المسؤولية الحكومية بالبلاد. يستحق كل وزير غادر الحكومة الثناء، حسب رأيه، على ما بذله من مجهود خلال السنوات الثلاث الاخيرة. لقد أرهق (الضمة على الألف ) من غادر و أصبح حقه في الخلود إلى الراحة مشروعا. ليس كل مغادر أو مغادرة قليل التجربة أو عديم تحقيق النتائج بل وجب تغييره من أجل الآجال الانتخابية و التي تتطلب تسريع الإنجازات. أستحق الوزراء المغادرون تنويه رئيسهم و استحقوا أيضا نعتهم الضمني بغير الملتزمين سياسيا. و كعادته ساق اخنوش الأمثلة النموذجية لاختيار ” حزبه” لأسماء تتميز بموقعها في الصفوف الأولى داخل هياكله الرفيعة. و كانت الجملة الوحيدة التي تكلم خلالها عن حزب حليف هي ذكر القيادي الاستقلالي عبد الصمد قيوح لأنه ينتمي إلى منطقة سوس التي اتخذها اخنوش قاعدة انطلاقه في مجال ” السياسة”.
و ستظل أجوبة رئيس الحكومة على أسئلة الصحافي البلهيسي مسجلة بمداد من الحزن و الألم على مستوى قيادة العمل السياسي في بلادنا. اكتشف السيد اخنوش، بعد أكثر من ثلاث سنوات، أن القيادات السياسية هي التي ستسرع إيقاع تنزيل الإصلاحات. و لكن الغريب في الأمر هو كون من اختارهم لتسريع الإنجاز لا علاقة لهم بالممارسة السياسية بمعناها الحقيقي و الميداني. لا يمكن لتاجر ذو امتدادات في مجالات الأدوية و منتجات التجميل و حلويات الأطفال و منتجات الطاقة أن يتحول بقدرة قادر إلى قائد لقطار تسريع إصلاح قطاع التربية الوطنية. و لا يمكن أن يقتنع المواطن بقدرات شاب ضعيف التكوين، و ذو قدرة على التحول من قناعات إلى أخرى متناقضة مع الأولى، إلى صناعة معجزة التسريع بالإصلاحات. كما لا يمكن أن يتم ربط إصلاح الصحة بمن لم يختبر أمر قضايا هذا القطاع و لو من بعيد. حذاري من الخلط بين ترضية طموحات ذوى القربى على حساب انتظارات المواطنين كما جرت العادة منذ مدة طويلة.
و سيظل رئيس الحكومة وفيا لأسلوب تعبير بسيط، و ضعف بين في مجال المعرفة باللغات، ومغرق في الارتجال ، ينطق بالشيء و نقيضه. عبر ،من حيث لا يدري، على أن ما تبقى من عمر الحكومة يتطلب تواجد ” الاطر الحزبية” في مركز القيادة. و هنا يظهر جليا أنه يتكلم عن حزبه فقط. سيطرت لغة الترضيات و ذلك استعدادا للانتخابات المقبلة. و حين يحاول الصحافي ، الذي حاوره ، استفزازه ايجابيا، يجنح السيد اخنوش إلى التأكيد على أنه نجح في تجنيب المغرب آثارا اقتصادية كانت ستكون صعبة. و تحاشى الكلام عن أسعار الكازوال و البنزين و الغاز التي يعرفها جيدا. و تحاشي الكلام عن التقييم الحقيقي لسياسات في مجال الشغل و محاربة الفساد و تمكين المواطن من الولوج إلى العلاجات. اعترف بغلاء اللحوم و لم يحلل كيف استغلت لوبيات هدايا من المال العام للاستمرار في فرض أسعار تفوق قدرة المواطن. تكلم عن سعر الطماطم في اسواقنا و قارنها بالأسواق الخارجية. و نسي أن يقارن مستويات الدخل الفردي بين أوروبا و المغرب. رحل الوزير المسؤول عن الإستثمار و تقييم السياسات العمومية إلى حال سبيله و لم يتم إنجاز أي تقييم لهذه السياسات. وزع المنح بالملايير بعد تمرير القانون الإطار و ترك الجمل بما حمل. و يؤكد واقع الحال على أن ما لم يتحقق منذ ترؤس عزيز اخنوش للحكومة لن يتحقق بفضل تعديل وزاري أكد الجميع على أنه لن ينفع البلاد و العباد. و ستظل شعارات الشفافية و محاربة الفساد و ربط المسؤولية بالمحاسبة خالية من أية قيمة و تفعيل. غادر كثير من الوزراء قطار الحكومة دون محاسبة كما سيغادره وزراء كثر. و لله الأمر في ظل واقع سياسي بئيس يتسع و يرحب بالانتهازيين و الغرباء عن الفعل السياسي الوطني.