المبحث الأول عبارة عن أربعة مطالب، والمبحث الثاني عبارة عن اعتراضات أربعة يهمنا منها جميعا تحديد الكاتب للمفهوم اعتمادا على الآية القرآنية “وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” فالالتزام قضية ووعي بمسؤولية وارتباط بقيم ومبادئ، وتكييف للنفس البشرية بالتصور الإسلامي للحياة. ويهمنا كذلك الاعتراض على من يدعي محدودية الوظائف، حيث عدد الكاتب ست وظائف هي: الوظيفة العقدية، والوظيفة التاريخية، والوظيفة الاجتماعية، والوظيفة السياسية، والوظيفة النفسية، ووظيفة الإمتاع.
أما الفصل الخامس فتضمن هو الآخر أربعة مباحث تصب جميعها في مصطلح الفنية وهو كسابقه محاط بلبس تتبع الكاتب دلالته في محطات أساسية في مقدمتها الواقعية، وتحديدا الاشتراكية منها، بالإضافة إلى ما يسمى باتجاه الفن للفن حيث لا مجال للمعايير الأخلاقية أو الدينية أو العقلية. ليخلص في مبحث الفن والجمال في القرآن والسنة إلى بيان موقف القرآن من الفن والجمال عبر تتبع ألفاظ تدل على ذلك وفي مقدمتها الزينة والخير والجمال والطيب من القول، إن الجمال في الإسلام جمال مخبر قبل أن يكون جمال مظهر، ولا يجب أن يفهم من هذه الثنائية أي نوع من أنوع التعارض بين فنية الشكل وأخلاقية المضمون، فللدين والفن غاية واحدة، هي إسعاد البشرية، يقول الكاتب نقلا عن محمد بريغش ” فالعلاقة بينهما علاقة الشاخص بظله،وكأن الفن لبوس الدين، ودثاره الذي يكنفه، وطريقه التي يتوسل بها لتحقيق أهدافه، حيث (يندمج التأثير الفني والتوجيه التربوي مع بعض، ليؤديا غاية مشتركة نحو المتلقي “ص116 .
إن تتبع الكاتب مصطلح الفنية عند بعض النقاد العرب القدامى تركه يؤكد أن جمالية الفن تبقى عديمة أو قليلة القيمة ما لم تفصح عن مضمون كريم يحمل معاني شريفة نافعة. وأن عنونة الكتاب بالشعر الإسلامي، تثبت شعرية الشعر أولا ثم إسلاميته ثانيا، فالشاعر الإسلامي ملزم بالفنية، وإن غاص في لجة المضمون باحثا عن فكرة، ومؤمن بجدلية الفن والمضمون والارتباط الوثيق بينهما .
عود على بدء: دراسة نقدية لنماذج من الشعر الإسلامي في المغرب على عهد المرابطين والموحدين والمرينيين
يتعلق هذا الجزء من المؤلف بالقسم الثاني من أقسام الكتاب، الدراسة النقدية تقتضي فحصا واختبارا للقسم الأول من المؤلف وخاصة الباب الأول المعنون بـ “مشروع نظرية الشعر الإسلامي” وهو في نظري جوهر وبيت القصيد. إلا أن الدراسة عوضا عن أن تختبر أسس ومبادئ وأنساق المشروع النظري بهدف تثبيته وترسيخه أو تعديله، انشغلت بما انشغل به مؤرخو الأدب المغربي ونقده في القرن المنصرم، يتعلق الأمر بما عاناه الأدب المغربي بعامة والأدب الإسلامي بخاصة من عدم اعتراف أو دونية أو مرتبة ثانية أو ما أسماه الكاتب بالاستخفاف والتنقيص، وهي مسألة شغلت كلا من عبد الله كنون في كتاب النبوغ، ومحمد بن تاويت في الوافي “حتى إذا اكتملت النظرة إلى أهم ضوابط نظرية الشعر الإسلامي ومرتكزاتها، دلف البحث إلى الشعر الإسلامي في المغرب (محاولا أن ينفض عنه غبار التنقيص والاستخفاف، والزعم بأنه من الدرجة الثانية لأن المشارقة حازوا قصب السبق في كل شيء، ولم يبق لإخوانهم في المغرب إلا التقليد والتبعية، حتى شاعت هذه المقولة عند المغاربة –أنفسهم –قبل المشارقة، فازدروها واقتنعوا بها، مع أن معالجة واقع الشعر الإسلامي المغربي تمزق أديم هذا الزعم، وتبين أن المغاربة كانوا من السموق على قدر يمكن أن يبذوا به غيرهم “ص387. وبناء عليه تبدو الدراسة استمرارا للمنافحة والتدليل على الاعتراف بهذا الأدب أولا، وبذه للأدب المشرقي ثانيا، وهي نفس الظاهرة التي تتبدى من خلال نماذج الشعراء الخمسة المحللة قصائدهم وهم :
- أبو الحسن بن بياع وقصيدته في وصف الربيع
- القاضي عياض وقصيدته في رحلة الشوق
- أبو العباس الجراوي وقصيدته الفتح القديم
- ميمون الخطابي (ابن خبازة ) وقصيدته هو القضاء الأكبر
- مالك بن المرحل وقصيدته خدعة زواج