آخر الأخبار

قراءة في كتاب المسرح المغربي قبل الاستقلال – 1 –

كريم الفحل الشرقاوي 

قراءة في كتاب المسرح المغربي قبل الإستقلال
للدكتور مصطفى بغداد.

جاء التصميم المنهجي لمحتويات كتاب المسرح المغربي قبل الاستقلال ( 400 صفحة من الحجم المتوسط ) متناغما مع المنهج التاريخي التحقيبي و التوثيقي الذي توسل به الدكتور مصطفى بغداد لمداهمة و معاقرة قضايا و إشكالات المسرح المغربي في مرحلة الاستعمار الفرنسي الإسباني للمغرب الأقصى .
و هو تأطير منهجي يروم من خلاله الباحث مقاربة الظاهرة المسرحية في فترة الحجر و الحماية و استكناه الوعي الناظم لخصوصية هذه المرحلة في اشتباكها و تفاعلها مع المكونات السياسية و السوسيوثقافية لمغرب ما قبل الاستقلال بل و لمراحله الضاربة في القدم حيث سيؤشر الباحث على الصدام الحضاري و التثاقفي الذي مارسته الدول الوافدة و المحتلة للمغرب القديم و خصوصا القرطاجنيين و الرومان الذين شيدوا المسارح في قرطاج و وليلي وغيرهما من حواضر شمال إفريقيا و مارسوا الفن المسرحي بمرجعيته الإغريقية حيث أنه ” من المؤكد أن الأمازيغ تأثروا بالقرطاجنيين و من بعدهم الرومان و مارسوا فن التمثيل القائم على الأناشيد و الحركات الراقصة التي تؤدى بها الطقوس و الشعائر الدينية التي ترمز إلى التوسل بالآلهة “.
غير أن هذه التقاليد المسرحية الوافدة تلاشت مع الزمن بفعل اغترابها عن المحيط السوسيوثقافي و الديني للمغرب القديم و التي لم تتمظهر آثارها سوى في بعض الطقوس و الفرجات الشعبية الأمازيغية كما أنها لم تتبلور و ترتقي إلى أشكال مسرحية بفعل الخطاب الديني الإسلامي الذي سيصهر بثقافته التوحيدية كل أسباب الصراع بين الإنسان و قدره .. و هو الصراع المأسوي الميثوسي الذي يشكل بنية المسرح الإغريقي الروماني . غير أن المغاربة الذين سيتشبعون بالقيم الثقافية الأمازيغية العربية الإسلامية سيتوسلون في تلك الفترة ببعض الفرجات و الطقوس الاحتفالية .. و هي فرجات شعبية حملت داخلها عناصر الحكي و الحوار و الغناء و الرقص و الإنشاد و التقليد و الأداء و الإيقاعات الاحتفالية الجماعية … و يؤديها في الأسواق و الساحات العامة و المواسم بعض الرواة و المداحين و القوالين و الحكواتيين الجوالين … الأمر الذي دفع ببعض الباحثين المعاصرين إلى استبعاد تصنيفها ضمن خانة الأشكال و الظواهر ما قبل مسرحية و اعتبروها ظواهر فرجوية مسرحية لا أرسطية غربية تحمل داخلها خصيصة التمسرح théâtralité التي تشكل جوهر كل فرجة مسرحية إنسانية كيف ما كان منبتها .
و قد تعرض الباحث بإسهاب لهذه الظواهر الفرجوية كالحلقة و البساط و سلطان الطلبة و سيدي الكتفي و عبيدات الرمى … إضافة إلى طقوس الطوائف الدينية و الاحتفالات و الرقصات الشعبية … مشيرا إلى اغتراف بعض الكتاب و المبدعين و المخرجين المسرحيين المغاربة المعاصرين من معين هذه الفرجات التراثية و توظيفها في أعمالهم المسرحية التأصيلية كما هو الشأن بالنسبة للطيب الصديقي و الطيب العلج و عبد الكريم برشيد و غيرهم .