عبد الرحمن الخرشي
2 – في مجال الشعر:
عرض الدكتور محمد رشيد السيدي لهذا الجانب عند محمد بن إبراهيم لما شدد- في العنوان – على أن ما سيتناوله في الكتاب هو( أشعار )، وأن صاحبها لا يوافقه من الأوصاف إلا أنه( الشاعر والعالم )، وفيما سيوضحه باعتباره حاز على مبعث قناعته، ومن اختياره، وما ركز جهوده عليه أثناء البحث عن مادة شعرية اعتمدها في الدراسة؛ حيث قال:« وقع اختياري على جمع ما وقفت عليه من أشعار حبَّرَهَا الشيخ محمد بن إبراهيم السباعي- تكرور – في ثنايا مخطوطاته، بشكل غير مباشر أثناء حضوره في مناسبات، أو مساجلاته لبعض الشعراء أو تصديره لبعض الحِكَم والنصائح، أو ختمياته للعلوم التي كان يُدرِّسُها في حلقات جامع ابن يوسف بمراكش والقرويين بفاس »(4).
وفي واقع الأمر فإن الشريف محمد رشيد السيدي لا يدرس ويحلل من انطباع أو من فراغ، وإنما وفق مشروع اختزله في:« استجماع تراث بعض الأعلام المغمورين، الذين لم تسلط عليهم الأضواء لسبب من الأسباب »(5)، إلا أن هذا المشروع سيواجَه بمجموعة من الصعاب منها ما له علاقة بما تعرضت له مادة الكتاب الشعرية والعلمية من الإتلاف، وما تعرض له الشاعر من المضايقات، وما معاناته في السجون والمنافي، والإبعاد، ومن حجز كتبه؛ ومما استشهد به المؤلف على ذلك ما جاء في الموسوعة التاريخية المغربية في التراجم؛ كتاب( الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام ) لمؤلفه الفقيه المؤرخ والقاضي العباس بن إبراهيم المراكشي؛ قوله:” وأما محنته بالسجن، فلأسباب وأمور كانت تنقل عنه إلى المخزن، أعظمها شدة شكيمته وكثرة أفكاره، وكانت الدائرة المخزنية إذ ذاك من وزراء وكتاب وعمال، يجسِّمُون ذلك ويكبِّـرُونه انتقاما منه، لكونه كان مشتهراً ومُنكراً لأحوالهم، وما هم عليه من سوء السيرة، ونهب أموال الرعية، وقد رحل مرة إلى فاس بسبب ذلك، إلا أن كل ذلك لم يفل من عزمه، ولم يوهن من صرامته ولا جده، بل بقي على صدعه بالحق، لا يهاب في ذلك كبيراً ولا صغيراً، إلى أن لقي ربه، وذلك من أعظم الأدلة على إخلاص قصده، وحسن نيته. وقد ألف تأليفاً بين فيه الأسباب الموجبة لامتحانه( … ) أطلق عليه وسماه:” سيف النصر ” ).
ومع وجود هذه الصعاب التي ستحجز شعر الشاعر عن البحث عند باحثين آخرين، أبى الدكتور محمد رشيد السيدي إلا أن يختار كتابته عن هذا الشاعر أولا انطلاقا من المادة الباقية من أشعاره؛ سواء منها ما يدرج في المديح السلطاني، أم في ختمياته الشعرية التي لها علاقة بالزهد والتصوف.. وما سيتوج هذا المنحى في الكتاب أن المؤلف تناول بالدراسة والتحليل رائية الشاعر المكونة من ستة وأربعين بيتاً جمعت بين غرضي الرثاء والمدح في مناسبتين وفي وقت واحد؛ أي أثناء وفاة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان الرابع وتولي ابنه مولاي الحسن الأول التي مطلعها:
فلله قـرص الشَّمْـسِ غَيَّبَـهُ الثَّـرَى وعَـقَبَ شمسـاً لا تُشَـبِّهْ بهَـا بَـدْرَا
فقد تناول المؤلف هذه القصيدة بالدراسة والتحليل- بعد ضبط مناسبتها وعدد ما تجمع لديه من أبياتها نقلا عن كتاب” البستان الجامع للشاعر – من زوايا دلالية وفنية وجمالية؛ عرض في الجانب الأول لما تضمنته القصيدة من معاني وأفكارفي ثلاثة مقاطع كثفت مضامين القصيدة: