قراءة اولية لمشروع القانون 20-22 تجعل المرء يشعر ان من وضعه خارج التاريخ وخارج الواقع وخارج العالم. المشروع تم وضعه وفق المنطق الذي ساد مند الاحداث الارهابية التي روعت الولايات المتحدة سنة 2011 ولا يستحضر ان الارهاب انهزم بعد اقترافه لداعش، وان ماتبقى منه سيدخل مرحلة تدبير مختلفة تعيد للديمقراطية جدوتها وتقلص التغول الامني، ولا يستحضر على الخصوص ان كورونا ستترتب عليها تغيرات ستصلنا حتما اذا ترددنا في استيعابها واتخاذ القرارات الاستباقية المناسبة للحيلولة دون تحولها الى انفجارات مفاجئة لمن لايرى ولا يسمع.والاستباق غير المؤطر بفكر ينظر الى البراديغمات الجديدة والمفاهيم الناشئة معها، التي لم تتبلور بعد، وبرؤية يصبح بمثابة قفزة في الفراغ ،خصوصا اذا كان قام على قلب العلاقة الطبيعية بين السياسة والامن و حصر الامن فيما هو بوليسي محض.
ان الصيغ العامة الواردة في المشروع بلا ضفاف، وتفتح الباب لتجريم اي راي او موقف لايروق للحاكمين حتى ولو كان احتجاجا على سلع فاسدة او زيادات في الاسعار او ممارسات احتكارية او اوليغارشية او فساد او محسوبية في تفويت الصفقات العمومية او منح الامتيازات والريع او المساس بالحريات وحقوق الانسان …، بحيث يصبح ما تقوله وكالة المغرب العربي للانباء، التي تتحول في اوقات معينة الى اكبر مروج للاخبار الكاذبة، او مايصدر عن الادارات والمصالح التابعة لوزارة الداخلية والامن هو ما يعتمد وحده، ويصبح قانون الصحافة لاغيا ليحل محله ترقيع القانون الجنائي بالعقوبات السالبة للحرية. والاغرب من ذلك ان المشروع يحمل الفاعلين في ميدان الاتصالات مسؤوليات اكبر منهم وتضرب عرض الحائط بالقانون الذي يحمي المعطيات الشخصية الذي اعتمده المغرب بارتباط مع التزاماتهالدولية، بما فيها التزاماته مع الاوروبيين التي كانت موضوع مذاكرة بين الوزير حفيظ العلمي ومفوضة الاتحاد الاوروبي مند يومين.وهذا ما لايكاد يخفي رغبة، غير قابلة للتحقق، في حجب سائط التواصل الاجتماعي الخاضعة كما تكشف عن ذلك البلاغات الرسمية للمراقبة الامنية.
انني اعتبر شخصا مشروع القانون هذا مشروعا وهميا مفارقا لواقع الحال ولتطور التكنولوجيا الرقمية وللمكاسب المغربية والكونية في ميدان الحريات وحقوق الانسان وحتى لامكانيات الدولة في مجال الضبط الامني، اللهم الا اذا قررت تخصيص الجزء الاكبر من الميزانية العامة لهذا الموضوع ولبناء سجون من حجم غابة المعمورة.
بيت القصيد في كل ما يخص مشروع القانون هذا هو اطلاق يد النيابة العامة، المتحررة اليوم من اي حساب او رقابة سياسية بعد تمتيعها باستقلال كامل عن الحكومة والبرلمان، ومعها الشرطة القضائية لتنفذ مقتضياته باعتبار انها صارت المسؤولة مسؤولية كاملة على تنفيذ السياسة الجنائية، والتنفيذ ليس اليا وانما يتم بعد التاويل والتكييف الذي لايمكن لاحد مراقبة مطابقته وعدم تجاوزه لحدود معيينة. هذا ما يدفع الى طرح اسئلة واضحة، يجب على كل من ماتزال قناعته الديمقراطية قائمة، اي نموذج سياسي نريد؟ هل انتهت صلاحية توصيات هيئة الانصاف والمصالحة ومقتضيات دستور 2011 وصارت حبرا على ورق؟ هل يعني الاصلاح عندنا عكس مدلوله في لغات العالم؟ الى اين يريد ان يسير بنا البعض بوضع قوانين وصياغة مؤسسات ظاهرها اصلاح وباطنها ينتمي الى زمن اخر، زمن الدولة البوليسية المتوجسة من الحريات؟
اسئلة من ضمن اخرى موجهة الى البرلمانيين الذين بات مشروع القانون بين ايديهم وصار القرار قرارهم الذي لاينازعهم فيه احد بمقتضى الدستور، وكذلك لاحزابهم من مختلف المشارب. وفي رايي ان احزابا بعينها توجد اليوم امام امتحان مصيري سيحدد مستقبلها في الخريطة السياسية. ذلك ان للبرلمان بغرفتيه حق الامتناع عن مناقشة مشروع قانون مناقض في روحه، وحتى في منطوقه، للدستور المحدد للنظامين الداخليين للمجلسين، ولهم حق تغييره بالكامل مادام لايترتب عليه مصروف او مدخول يمكن للحكومة ان تستعملهما كفيتو،ويكن لهم حتى الغاؤه بفصل فريد، ، كما حدث مع كل مامن شانه الذي كان قانونا قائما مند عصر الحجر والحماية، وللحكومة دائما امكانية سحبه قبل برمجته للمناقشةاو حتى اثناء مناقشته .
ليس دفاعا عن الاستعمالات السيئة والمسيئة لوسائط التواصل الاجتماعي ومختلف المنصات الالكترونية، التي تصديت لها كغيري باستمرار، واخرها فتاوي الفايد الخطيرة على الصحة العامة، وليس ايضا تسامحا مع الترويج للاخبار الكاذبة ولممارسات النصب والاحتيال والتشهير، التي كانت فضيحة من بيبي اخر ماظهر منها، او تغاضيا على ممارسات اخرى، ولكنه دفاع عن حرية التعبير وباقي الحريات وعن حقوق الانسان كما هو متعارف عليها كونيا وعن بلدنا الذي لايتمنى له اي وطني ان ينجر الى متاهات لامخرج منها في هذا الظرف العسير المفتوح على افاق ماتزال غامضة.
هل ننتظر من البرلمان ان يطلب سحب المشروع، وان لم يفعل فعلى الراي العام ان يتخذ الموقف المناسب من اجل سحبه.
محمد نجيب كومينة / الرباط