إدريس بوطور
( لم تبق منا يا فؤاد بقية ** لفتوة أو فضلة لعراك ** كنا إذا صفقت نستبق الهوى ** ونشد شد العصبة الفتاك ** واليوم تبعث في حين تهزني ** ما يبعث الناقوس في النساك ) ************************ إنها أبيات لأمير الشعراء أحمد شوقي مخاطبا قلبه الذي انهكته الشيخوخة ، وهي من قصيدة طويلة بعنوان “زحلة ” ، والتي اختار منها الموسيقار محمد عبد الوهاب بعض الأبيات لولادة أغنيته الرائعة ” يا جارة الوادي ” حيث يقصد بها شوقي مدينة “زحلة ” اللبنانية الجميلة بأشجارها وظلالها الوارفة ومياهها الجارية . كان الأمير يزورها بين الفينة والاخرى ، وجاءت هذه القصيدة في آخر زيارة له لهذه المدينة وهو في مرحلة الشيخوخة والوهن ** قصيدة “زحلة ” والتي ذكرت من مقدمتها أبياتا ثلاثة ، هي حسرة على الشباب ورحيله الأبدي ، وحلول مرحلة الشيخوخة بما يكتنفها من ضعف ووهن وإنهاك لسائر قدرات الإنسان . كما أنه خلال هذه المقدمة استحضر مرحلة الشباب في مقارنة بديعة لا نظير لها ، فلم أقرأ أجمل منها في هذا المجال . استطاع شوقي إبداء الأسى والتحسر على فوات الشباب بوصف بياني مفعم بالرضا والقبول ، جعل القارئ يستشف من خلال هذه المقارنة طعم كل مرحلة من مراحل الحياة وميزتها ، وهذه هي الابيات التسعة للمقدمة مخاطبا فيها شوقي قلبه (شيعت أحلامي بقلب باك ** ولممت من طرق الملاح شباكي ** ورجعت ادراج الشباب وورده ** أمشي مكانهما على الاشواك ** وبجانبي واه كأن خفوقه ** لما تلفت جهشة المتباكي ** شاكي السلاح إذا خلا بضلوعه ** فإذا أهيب به فليس بشاك** قد راعه أني طويت حبائلي ** من بعد طول تناول وفكاك ** ويح ابن جنبي كل غاية لذة ** بعد الشباب عزيزة الادراك ** لم تبق منا يا فؤاد بقية ** لفتوة أو فضلة لعراك ** كنا إذا صفقت نستبق الهوى ** ونشد شد العصبة الفتاك ** واليوم تبعث في حين تهزني ** ما يبعث الناقوس في النساك ) ويبقى شوقي دائما وإلى الأبد أميرا للقوافي ، وموهبة شعرية فذة قلما يجود الزمان بمثلها /