محمد العبدوني الخياري
يقول تعالى في سورة البقرة “وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ () إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ () لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ()” صدق الله العظيم .
نحن مجتمع اسلامي ولا يمكن منع أعمال البر والإحسان هذا من حيث المبدأ، حيث تكثر أعمال البر والإحسان و تكون المؤازرة في المناسبات الدينية مثل عيد الأضحى ورمضان ، وحتى من قبل الأفراد الذين يقومون بأعمال الخير، أو المقاهي التي تقدم إفطارا مجانيا، كلها وسائل لتقديم المساعدة والعون.آلاف الجمعيات تتجند في رمضان لأعمال البر والإحسان، حيث يقام فطور الصائم في الهواء الطلق، أو توزع القفة على المحتاجين.
الظروف الاجتماعية المزرية لبعض فئات المجتمع قد تلقي بأصحابها في متاهات الحياة وتعقيداتها، لينتهي المطاف بأغلبهم على أبواب الجمعيات الخيريّة يدقّون أبوابها طلبا للمساعدة، في بعض الاحيانّ تتحوّل المسألة برمّتها إلى حالة إدمان ينشط أبطالها عند حلول كلّ مناسبة، فتجدهم يطوفون على جميع الهيئات والجمعيات. معظم الواقفين فيها نساء ومسنين، ضجيج و أصوات صارخة حول من له الأسبقيّة و الأحقّية في الاستفادة. تختلف الحكايات وتتفاوت مستويات المعاناة، فيما موزّعو “قفّة رمضان”، يبدون منشغلين بتوثيق تسليم القفّة، الّتي لا تتجاوز قيمتها في غالب الأحيان 200 درهم، عبر صور وفيديوهات قد تكون محرجة للمصطفّين في صفوف ضمانا للحصول على “القفّة” التي يحاولون أن يسدّوا بها بعضا من الخصاص وذرّ الرّماد على العيون، في واقع ترتفع فيه نسبة الفقراء سنة بعد اخرى. اضافة الى أنّ هذا السّلوك يسيء إلى صورة البلد خارجيّا، وتمعن في إذلال المواطن وتبخيس قدره والانتقاص من كرامته اذ يمكن إيصال المساعدات إليهم في بيوتهم تحت أجنحة الظّلام لكي تبقى كرامتهم محفوظة، بدل تصفيفهم في طوابير تحت أشعّة الشّمس لتسليم قفّة بئيسة لهم .
تثير مسألة توثيق الشّرائح الاجتماعيّة الهشّة، الّتي تستفيد من المساعدات، عبر التّصوير الفوتوغرافيّ أو الفيديوهات، ردود فعل متباينة ، لآنها لايجب أن تكون بتلك الطّريقة الّتي نشاهدها اليوم، حيث نصفّف النّاس في طوابير، ونستخدم التّصوير، على بعض من الزّيت و السّكر والدقيق والحمص والشاي. فإذا كان الهدف هو التّعاون والتّآزر والتّكافل، عملا بمقتضيات معاني ومغازي وأهداف الأسلام الّتي هي الإحساس بالآخر، ومساعدته، فليس بالتشهير و أن نضمن للنّاس العيش الكريم، لا أن نرمي لهم بالفتات، أمّا قفّة توزّع مرّة في السّنة فلن تجدي شيئا.
نتابع الآن استعدادات جارية على قدم وساق، تقودها شخصيات حزبية وجمعيات مؤطرة، لكنها تعمل تحت لواء سياسي وبيافطة العمل الجمعوي، والغاية هي كسب تعاطف كبير من الجماهير مقابل قفة لا يتعدى ثمنها 200 درهم. فهناك من يتّخذ من جمع التّبرّعات لـ”قفّة رمضان” بورصة للاستثمار، له مقصد بعيد عن الأغراض الدّينيّة، وسبيلا للتّباري أو لخوض غمار استحقاق من الاستحقاقات الانتخابيّة مع و وجود أجندة انتخابيّة للواقفين وراء تفشّيها و استغلال هؤلاء البسطاء والتّشهير بهم عبر نشر صورهم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ .حيث تعمل المئات من هذه الجمعيات تحت وصاية من أحزاب سياسية حتى البعض وضعوا بالفعل السلع في علب كارطونية.إذ أن هناك من يتلوّنوا بمظاهر الاولياء خلال شهر رمضان ، غير أنّ النّبش في خلفيّاتهم تجعلك تستشفّ زيف مقاصد بعضهم ممن لا يهمّهم في حقيقة الأمر غير تشكيل أرضيّة صلبة للاستحقاقات الانتخابيّة، على اعتبار أنّ المدقّق في الموضوع سيجد أنّ أغلب هؤلاء هم سماسرة انتخابات إن لم يكونوا أعضاء أحزاب يتاجرون في هموم البسطاء. قفة رمضان هي بمثابة الطعم الذي يتخذه سماسرة الانتخابات من اجل كسب اصوات المستضعفين لاغير فاستغلال فقر الاخرين وحاجتهم الماسة الى المساعدة تفتح شهية التجار السياسويين الى استغلال تلك الظروف القاهرة والمزرية التي يعيشها الفقراء لأجل الركوب عليها .
هل نحن في زمان القفة؟ علينا ان نفكر في توفير الشروط الأساسية للشعب المغربي، هل وفرنا التعليم الجيد والسكن و تقديم العلاج الجيد ؟ عار على جبين هذه الحكومة التي فضحتنا أمام العالم من أجل قفة ثمنها 200 درهم التي توزع كل سنة أمام أعين العالم والذي يرى ان المغاربة همهم هو السكر والزيت والدقيق والشاي، كل سنة تصرف للمعوزين قفة ب 200 درهم و العالم كله ينظر لهذه المبادرة التي تحط من كرامة المواطن المغربي إن كان ذلك صدقة فالصدقة يجب أن تكون في الخفاء.
يقول المثل:”لا تعطيني سمكة كل يوم ولكن علمني كيفية اصطيادها” ،لا يحتاج الفقير الى الاحسان او المن بل يحتاج الى من يعطيه حقه من غير اذلال ولا اهانة وهذا يتطلب تخصيص مبلغ شهري قار لكل فقير محتاج غير قادر على العمل اما الفقير القادر فيجب توفير الشغل المناسب له وتكوينه لذلك ليتحمل المسؤولية عوض تركه عرضة التسول والتواكل. ما يقع بالنسبة لقفة رمضان بالشكل الحالي فيه مذلة وضحك على ذقون الفقراء والمحتاجين، يجب تنظيم العمل الانساني بشكل مضبوط عبر احصاء وجرد المحتاجين وجمع التبرعات في صندوق خاص وتوزيع القفة على مدار شهور السنة وليس في رمضان فقط فكيف تكفي الفقير المحتاج لشهر كامل خاصة رمضان؟ ان التقليص من حدة الفقر امر سهل يبدأ بتوفير الإرادة والتكوينات والعلوم مع الجدية والحزم فالملايين التي تصرف على القفة يمكن تجميعها وإضافة تبرعات المحسنين اليها ثم استثمارها في مشاريع مدرة للدخل لفائدة الفقراء. ويبقى القانون المؤطر للعمل الإحساني لا يوضح الأمور بخصوص التوظيف السياسي.