على قدر المسؤوليات وتعددها يأتي الإبتلاء ، فاستعد للحساب والحصيلة مهما علا شأنك، لن تسعفك الكلمات ولا الحيل مهما بلغت قوتها وحدتها ، الكلام المعسول يذوب مع المحك وأول إمتحان ، فلايصح إلا الصحيح ،الساحة تتابع خطاك مهما جعلتها حثيثة مسرعة نحو الهدف ،فلامحالة أنك تتجه نحو نهاية المسار ونقطة الوصول حتى لا أقول نحو حتفك ،لن تختار نهايتك ولا طريقتها مهما حاولت ولن تقف حياتك عند نقطة وصول قد خططتها ذات يوم وأنت تهندس مسارك اللامتناه من الأحلام والآمال والطموحات التي أطلقت العنان لها دون أن تكبح جماحها . كأنك تطارد السراب.
مهما بلغت من الجاه ،فالموت يترصدك. في كل محاولة للصعود تذكر أن يوما ما سيكون الهبوط ،أنت من يختار سرعته ،لكل بداية نهاية لست أنت من يتحكم فيها ، من أسرارها أنها مفاجئة لكنها ترسل للبيب إشارات مباغثة لكنها مركزة وهادفة ،كي يستعد لاستقبالها.
راوغ ماشئت فليس ذكاء منك ولا شطارة أن يطول الامد والأمل في دواخلك ،إنها مدد وزمان موزع بإحكام ودقة لايخطئ هدفه ،فهل بادلته بالحرص واليقظة مع التعفف والتحلل من الشراهة حتى لا تسطو على حق غيرك لتسلبه وتدعي زورا أنه ملك لك.
الموت تلك النهاية الحتمية التي تضع حدا فاصلا بين الحياة والبقاء على الأرض ،ومغادرتها بشكل نهائي وبلا رجعة. حين نقف على هذا الحدث بطقوسه وآلامه وما يحدثه بدواخلنا من أسئلة مقلقة ومشروعة أمام هذا المصير الحتمي يتبادر للذهن بشكل تلقائي ودون ترتيب أمرين هامين :
الأول : أنك تضع نفسك مكان الميت وتخال نفسك وأنت مغمض العينين ،محمولا فوق نعش من اللوح، ملفوفا في ثوب أبيض ناصع، يوحي بمناشدة للصفاء ، وأنت تزف لمثواك الأخير فتتدخل الأنا لتخرجك بنزعة ذاتية وبقوة تتجاذبها الأيدي في شتى المناحي و الإتجاهات لتأخذك برفق من هذه الصورة السوريالية الموغلة في اللاشعور وهذه التراجيديا التي توقظ فيك كثير من الأسئلة دون أن تجد لها جوابا ،لتقف منها موقف الحياد ولتخلص نفسك من هذه النهاية لأنك بطبعك ماتزال متمسكا بالحياة لاخر رمق فيحاصرك سؤال :
ماذا قدمت لمثل هذا اليوم ،ولمثل هذه المناسبة ؟
الثاني : تتسارع أمامك الأحداث كشريط خاطف مسترسل دون توقف تحصي عليك آلته أهم الأحداث فتتيقن بدون أدنى شك ولاجدال أنك فرطت في جنب الله مهما بلغت من فعل الخير وتتهم نفسك في حوار داخلي بالتقصير. وتحصى أمام عينيك ودون تحفظ عدد المسؤوليات وكيف لكثرثها لم تعد تجيد ترتيبها كما في السابق حين كنت تطمع في الإستزادة بشكل متهور وتنطع غريب غير مقدر لجسامة الموقف .وكيف اصبحت عاجزا عن ترتيب أولوياتك وطموحاتك ، وكنت تصفي خصومك في الطريق بكل نرجسية قاتلة ومكر وخبث وخديعة ليعبد لك الطريق نحو كرسي أنت أعلم بانك بدون وجه حق صادرته من ند لك أحق به. فاسقطتك الايادي التي كانت بالأمس تصفق لك تهنئة ومجاملة ، هاهي اليوم تتمنى مغادرتك ، فسارعت لطي الصفحة . والأحداث بادية تأبى النسيان.
ألم تلاحظ أن لحظة الموت أربكت حساباتك وصرت غير قادر و يداك ترتعد دون أن تتوقف وهي تحصي عليك النعم دون أن تقابلها بالطاعات لقد فشلت المعادلة وهي فرصة لتجديد الحساب وضبط الإيقاع. فتهرول مسرعا إستجابة لنداء أقبل خاشعا فوق مئذنة بصوت رخيم أدمعت له عيناك ،لعلك تجبر كسرا أو تضمد جراحا. وضعت جبهتك على الحصير في إذلال وخضوع مستلذا بمسحة جبين لطيفة وإسترخاء جعلك تعيد الحساب للمرة الألف وأنت تقول في قرارة نفسك :
كم كنت متهورا ،لاهثا حول متاع زائل دون حساب .
هذه لحظة حاسمة. ما أتعسني..!
أيقوى وجودي وجسدي على الحساب ؟ أم أنه غير قادر ؟
لو استطاع كل مسؤول في ظل هذا الوضع المتردي و الفساد المستشري أن يذكر هذه اللازمة بكل تفاصيلها لاسترحنا من بعض الفسدة ، لكن قدرنا أن نكون شهودا على مرحلة ضاعت فيها القيم والأخلاق وأصبح البعض منا مثل الفراشة المحلقة تطوف حول لهيب شمعة مشتعلة في ليلة مظلمة ، تعشق مداعبة لهيبها فتلقى مصيرها موقعة وهي تحترق في نهاية مأساوية على نهايتها ،هكذا نحن. فمتى نوقف النزيف ؟
أو على الأقل نقول : “قفوهم وحاسبوهم ، إنهم مسؤولون ”
ذ. إدريس المغلشي.