دولة فاسدة تتمحور سياساتها حول مصالح الماسكين بالسلطة والثروة بشكل مكشوف الى حد الفجاجة والاستهتار يستحيل استحالة مطلقة ان تتسرب اليها القناعة بسيادة القانون، وفق المنطق الانجليزي rule of law، او بدولة القانون Etat de droit، وفق المنطق الالماني الذي انتقلت عدواه الى فرنسا واوروبا القارية عموما. ذلك ان دولة من هذا القبيل تحتاج دائما الى تفعيل قانون اخر غير القانون الوضعي الذي تسنه البرلمانات وفقا لقواعد الدولة الدستورية القائمة على فصل السلط، الى قانون القهر والاخضاع بالقوة الغاشمة والحط من كرامة المحكومين بجعل افواههم تاكل الحصى او ماهو اسوا منه .
وقد تقبل في ظروف معينة بالتكيف مع معطيات عالمية خضوعا للضغط الخارجي او استباقا له احيانا، بكثير من الانتهاء والتحايل واستظهار ظاهر لإخفاء الباطن،لكنها سرعان ماتعود الى عاداتها القديمة التي لم تكن قد تخلت عنها اصلا. فهي تتشبث بالثابت وتعتبر المتحول عابر وقابل للمحو بسرعة. لذلك يصح دائما طرح السؤال المغربي الدال عليها : المزوق من برا اش اخبارك من الداخل؟ فالدولة الفاسدة لا تقيم اعتبارا ولا تكن احتراما لمواطنيها وتعتبرهم قطيعا يرعى بالعصا كي تتصرف كل عناصره تصرف القطيع الذي يقتدي بالاكثر طاعة والاكثر خوفا، ولذلك يحتل البوليس مكانة خاصة في بنية هذه الدولة ويتم تقديم رؤسائه في صورة طغاة لا علاقة لها بصورة البشر العادي. وما اظن ان رئاسة البوليس تحظى بما تحظى به لدينا الا في قلة من دول العالم معروفة بكونها خاضعة للطغيان، والطغيان اشد من الاستبداد.
ويظهر لي ان المخزن عندنا، حتى لما تبنى دولة البوليس بالمعنى الفوكوي L’Etat de police ( محاضرات كوليج دوفرانس موجودة على يوتيوب )، فانه لم يتحرر من ماضيه الذي يسكن لاوعيه، لذلك، فانه في “حركات”دائمة ليس تخوفا من السيبة فقط، وكل ما يخرج عن نطاق طغيانه ينظر اليه على انه سيبة، بل من اجل ممارسة القهر .
ذلك ان القهر يحرف انظار المواطنين عن تركز الثروة والسيطرة على مقدرات البلاد من طرف طغمة تمتلك السلطة وتمارس الاقتسام في دائرتها الضيقة والمغلقة، كما يجعل النقاش العمومي ينحرف عن المجرى الذي يجب ان يسير فيه وعن المصب الذي يجب ان يصب فيه كي يغرق في التفاهات ويركز على القشور .
دولة فاسدة لايمكن ان تتولى الاصلاح، لانه من المستحيل ان تكون ضد نفسها، وماتبث تاريخيا ان مفسدين قاموا بالاصلاح، الدولة الفاسدة تحتاج الى بوليس بقيم وتقاليد وممارسات تناسبها وتحتاج الى القمع والحركات والى خلق الاحساس بالخوف من الحاضر والمستقبل وبالخوف من اذان الجدران ومن البوليس ورجال السلطة على الخصوص. الخوف الية حكم وحكامة في الدولة الفاسدة لها الغلبة على ماعداها.
الاصلاح يتولاه مصلحون لهم قناعة عميقة بالاصلاح، وفي تاريخنا القريب مثال لفشل مصلح يسمى عبدالرحمان اليوسفي، الذي تم اخراجه Exit بطريقة لاتختلف كثيرا عن الطريقة التي تم بها اخراج رفيقه وجاره في المقبرة عبدالله ابراهيم، وليس ماتم مع اليوسفي بعد ذلك من باب المروءة وانما لمحو اثر ماحصل بعدما تم توجيه ضربة قاضية للرجل وحزبه وتاريخه ولتجربة اعتبرها شركاء المغرب والعالم شروعا في انتقال ديمقراطي بالمغرب .
المخزن هو المخزن، وكما كان صديقي المرحوم يقول دائما انه ماسمي بالمخزن الا لانه مخزز ومسدود وساد على المونة اللي مقابلها علاف. والعلاف هو اسم وزير المالية والفلاحة والتجارة في المخزن القديم الباقي.
محمد نجيب كومينة / الرباط