ربما كان عبد الفتاح مورو هو الحل بالنسبة لتونس في ظل الاستقطاب الشديد داخل الحقل السياسي التونسي بدون استراتيجيات واضحة، والفاقدون للاستراتيجية والمتمحورين حول الذات والماضي اكثر من غيرهم هم اليساريين كما هو الشان عندنا، فقد سعى الرجل الى تحقيق نوع من التوافق لتسهيل الانتقال، وكان مند البداية ضد غلو النهضة ونزوعها الى السلطة والسيطرة واستطاع ان يجعل عدد من الاسلاميين يراجعون انفسهم ومارس ضغطا قويا على الغنوشي وصحبه كانت له نتائج، وربما كان له دور اساسي في عودة قايد السبسي من بعيد لقيادة المرحلة الماضية، وتابينه له كان مليئا بالرسائل.
فشل مورو وفوز قيس سعيد الذي يمثل تيارا اسلاميا اقل تفتحا من تيار مورو قد يكون له مابعده في ظل وضع تونسي هش زاده هشاشة الاستقطاب الكثيف خلال الحملة الرئاسية وما خلفه من نفور لدى ساكنة تعاني الامرين من اجل العش وبدا حنينها الى سنوات الاستقرار يكبر غير عابئة برهان دمقرطة الدولة.
الدرس التونسي مهم بالنسبة لنا، فالانتخابات اذا كانت ممارسة ديمقراطية يعبر من خلالها الناخبون عن ارادتهم واختيارهم، فانها قد لاتحقق هدف تطور الديمقراطية فعليا ولا تفتح افق التطوير وترسيخ المؤسسات الديمقراطية مالم تندرج، اولا وقبل كل شئ، في إطار قصة وطنية My story بتعبير ماك نيل جامعة تعكس توافقا على اهداف محددة، وفي صدارتها بناء نظام ديمقراطي وتنمية متصاعدة وموزعة الثمار بهذا القدر او ذاك من العدل، والهدفان معا لا يمكن استيرادهما ولا فرضهما وانما يجب أن تتوفر القناعة بجدواهما.
في مراحل الانتقال يكون التوافق ليس فقط مستحبا، بل ضرورة لامحيد عنها، والا بقي الافق غامضا، والغموض يلائم دائما القوى الظلامية او الحاملة لمشاريع التوحش ولهف الثروات دون مغامرة استثمارية ومقاولاتية.
تصرف اليسار التونسي خلال المرحلة السابقة وفي الوقت الحالي لم يكن منتجا وربما قاد الى اندثاره في المرحلة المقبلة. كانت الذوات الجريحة مسيطرة الى حد انها غطت على مايتطلبه العمل السياسي المنظم في ظل المنافسة الديمقراطية التي تختلف شروطها عن الثورات السابقة التي حدثت في زمانها وشروطها الخاصة
في تونس بين الاسلاميون انهم يجيدون التقنية.
محمد نجيب كومينة / الرباط