ادريس الغنبوري
قضية دعم شركة لافارج الفرنسية العملاقة المتخصصة في الاسمنت لتنظيم داعش في سوريا ليست قضية جديدة؛ بل كانت معروفة منذ بضع سنوات؛ لكنها كانت “تخمينات” بلا أدلة.
الجديد اليوم أن القضاء الأمريكي وضع يده على الأدلة وحكم على الشركة بأداء غرامة مالية كبيرة.
لكن الغرابة ليست هنا. الغرابة أن الشركة فرنسية والقضاء أمريكي. أمريكا راعية الإرهاب تدين شركة فرنسية ترعى الإرهاب. والغريب أيضا أن المحكمة اتهمت الشركة بالجرائم ضد الإنسانية.
الشركة لم تتصرف من تلقائها كما قال القضاء الأمريكي؛ بل بإيعاز من الحكومة الفرنسية؛ أي أنه دعم رسمي من الدولة. وقبل أسابيع اتهمت دولة مالي فرنسا بدعم الجماعات الإرهابية؛ ولكن القضاء المالي لا يستطيع أن يبث في الملف لأن مالي ليست أمريكا.
خلق ودعم الإرهابيين من طرف الغرب ليس موضوعا جديدا؛ لكنه أيضا “تخمينات”؛ إنما هي تخمينات ثابتة. فالإرهاب هو الأسلوب الوحيد لدى الغرب لتدمير الدول. دائما كان الغرب يدعم الإرهابيين والجماعات السرية في العالم الإسلامي. في القرن التاسع عشر دعم الأقليات داخل الإمبراطورية العثمانية؛ ودعم وسلح حزب تركيا الفتاة؛ ويهود الدونمة؛ ودعم وسلح حركة الشريف حسين عام 1916 وأغراه بالاستقلال عن تركيا؛ وعندما ساهم العرب في ضرب تركيا ركب الغرب على ظهورهم وعقد اتفاقية سايكس بيكو في العام نفسه. شارك العرب في تفكيك الإمبراطورية العثمانية فجاء الغرب وفكك العرب أنفسهم. وشجع الوهابيين على ضرب العثمانيين ثم فرض عليهم حدودا لا يتجاوزونها في نجد والحجاز؛ وعندما ظهر النفط أنشأ دويلات بجانب كل مجموعة من الآبار وفرضها على العالم العربي بالأمم المتحدة؛ سلاحه المنظم لتنظيم العالم؛ واليوم هذه الآبار هي التي تتحكم في الحقول العربية؛ بل صار لكل بئر أتباع ومريدون في العالم العربي. دار الزمان وعاد العرب إلى العصر البدائي؛ حيث كانت القبائل تتبع آبار المياه؛ اليوم هم يتبعون آبار الماء الأسود؛ عادوا خماسين عند أصحاب الآبار الذين يتحكمون في الحقول.