إدريس الأندلسي
أيها البرلمانيون، أيتها البرلمانيات ؛ هل قرأتم كل وثائق مشروع قانون المالية لسنة 2025. السؤال الموجه إليكم بسيط و يرتبط بضرورة مقارنة توزيع المال العام على الفئات المكونة للشعب المغربي. لا تغفلوا التفاوتات الطبقية التي تتفاقم، و لا تنسوا التفاوتات المجالية. لقد تأثرت القدرة الشرائية للمواطنين و زادت استفادة قلة قليلة من المال العام عبر النفقات الجباءية و العقار العمومي و صناديق دعم الإستثمار. هل طالبتم بتقارير لتقييم هدايا الدولة لعلية القوم و كبار المستفيدين. لا يوجد أي تقييم و لا توجد أية مراقبة لتراكم ثروات من ليسوا تجارا و لا مستثمرين و لا صناعيين و لا أصحاب مقاولات في مجال الخدمات. لم يعد مهما تفصيل أرقام الميزانية من مداخيل و نفقات بمئات الملايير، و لكن المهم جدا يظل مرتبطا بآثار الملايير على عيش المواطن.
يوجه هذا الرجاء لمن يجلسون على مقاعد البرلمان. إنها ” لا الناهية” التي ستمكن من طرح سؤال المستفيدين الحقيقيين من كرم قبولكم للاستمرار في تقديم الهدايا الضريبية و الميزانياتية و العقارية لفئة قليلة جدا من مواطني بلدنا السعيد. زادت حدة الخطابات التي تؤكد أن قوانين المالية تستهدف ذوي الدخل المحدود و الضعيف. و كان آخر هذه الخطابات ” السياسية ” ما صرح به رئيس الحكومة لموقع ” مدار 21″. يظهر أن هذا الرئيس هو الوحيد، مع زمرته ، الذي يصدق أن ظروف المعيشة تحسنت و أن الحكامة انتصرت و أن التنمية ترسخت. و يكفي القول أن كل المؤشرات الإقتصادية و الإجتماعية تجاوزت الحدود الدنيا المتعارف على قياسها عالميا. صوتوا يا من يفتخرون بصفة ممثل الشعب في قصور القرار البرلماني ضد كل الهدايا الضريبية و كل الامتيازات التي تنعم بها فءة قليلة تنتصر على كل الفئات الإجتماعية الأخرى. صوتوا بشجاعة يا كل من يعتبر نفسه قد ولد من رحم صناديق الاقتراع.
توصلتم جميعا بمشروع قانون المالية. و يضم هذا المشروع كثيرا من الأرقام التي يستعصي فهمها على الكثيرين من ممثلي الشعب. لا يمكن الجزم بأن التقارير القيمة التي ارفقت بمشروع قانون المالية قد التقطها المشرعون بلهف و برغبة في تحليلها و تشريحها و ربط معطياتها باختيارات الحكومة المضمنة في المشروع. يمكنكم أيها السيدات و السادة أن تتعرفوا من خلال هذه التقارير عن وضع بلادكم الإقتصادي و المالي و الإجتماعي. يمكنكم أن تصلوا إلى معرفة معطيات حول الضريبية و المديونية و العقار العمومي و توزيع الإستثمار جهويا و مصاريف المقاصة و التحملات المشتركة و غيرها من المعطيات القطاعية . يوجد أمامكم أكثر من 12 تقريرا يغنيكم عن سؤال المختصين إذا كنتم تفقهون في قراءة المعلومة عبر مستواكم المعرفي و تجربتكم الطويلة في الجلوس على كراسي البرلمان.
يجب على كل برلماني أو برلمانية أن يفتخر بكونه يتوفر على القدرة لمواجهة الخبرة الحكومية خلال تمرير مكونات مشروع قانون المالية. و لأن الواجب يقتضي التفسير الواضح للمعطيات المتاحة للجميع، وجب التذكير ببعض المعطيات الواضحة و المفضحة كذلك. لعل البرلماني أو البرلمانية يواجهان الحكومة بمعطيات و ليس بمجرد قبول متسرع لمشروع ناتج عن تجاهل أو جهل بطريقة توزيع ثروة الوطن على المواطنين. و لتسهيل القراءة وجب اللجوء إلى وثائق الحكومة.
يوجد تقرير يوضح ” الهدايا الضريبية ” الممنوحة ” لدعم كل القطاعات . و تسمى هذه الهدايا بالنفقات الضريبية. وجب التوضيح أن إدارة الضرائب أو الجمارك تطبق القانون و لا تفرضه . أنتم معشر ممثلي الشعب من يصوت على القانون. و إحتراما لموقعكم، وجب التذكير بالروابط التي تجمع اللوبيات بالسياسة. تتسم فترة إعداد مشروع قانون المالية بنشاط تواصلي و فعلي بين أصحاب المصالح المالية و الإقتصادية الكبرى. تتوصل القيادات الحكومية و الهيئات الحزبية و كذلك بعض القيادات الصحافية برسائل المهام في المجال الضريبي. يبدأ العمل و قد يصل الأمر إلى الترويج لأهمية تخفيض السعر الضريبي على قطاع اقتصادي شهورا قبل صياغة مشروع قانون المالية. و لكل ما سبق أصبح تقرير النفقات الجباءية يزخر بالكثير من الأرقام الكبيرة حول ما خالف القاعدة الضريبية بتصويت من نواب الأمة و ممثلي الشعب. صوتت أغلبيتهم على أكثر من 350 مليار درهم خلال العشرية الأخيرة. كانت هذه الملايير موجهة أساسا لعلية القوم. و الأكثر من هذا أنه لم يتم تقييم هذه النفقات على حجم الإستثمار و لا عن آثاره على النمو و التشغيل. هكذا أستمر إصدار تقرير عن النفقات الجباءية بشكل بسيط لا يجيب على سؤال تقييم آثار مئات الملايير على الإقتصاد الكلي للوطن. و نفس الشيء يمكن تسجيله في مجال تسخير العقار العمومي للإستثمار. و تشير معطيات وزارة الإقتصاد و المالية أن حوالي مليون و ستة مئة ألف هكتار من أراضي الملك الخاص للدولة قد تم تم تسخيرها، خارج الأراضي الموجهة للزراعة، للمشاريع الاستثمارية. و توجد من ضمن هذه المشاريع البنيات التحتية و مشاريع التنمية الكبرى التي قدرت الاستثمارات المرتبطة بها بأكثر من 877 مليار درهم خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. و تشير المذكرة المرفقة بمشروع قانون المالية إلى تفاصيل التوزيع الجغرافي لتسخير العقار العمومي لمشاريع الإستثمار. و يظل سؤال متابعة تنفيذ هذه المشاريع و تقييم نتائجها الغائب الأكبر. و يمكن توسيع دائرة الكلام عن هبات الدولة إلى عدة قطاعات. و سيظل السؤال هو تأثير المعاملة التفضيلية للاستهلاكيات الفلاحية الكبرى على أسعار المواد الغذائية و على الموارد الضريبية. فرغم الكرم الحكومي الذي تجاوز كل المقاييس لا ” تتكرم ” كبريات الاسغلاليات الفلاحية الا بنصيب صغير في مجال الضريبة على الدخل و الشركات. و لا تصل مداخيل هذه الاستغلاليات الضريبية مداخيل الضريبة على القيمة المضافة التي يؤديها سكان حي في مدينة متوسطة. و يظل الكرم الحكومي سخيا عبر صندوق التنمية الفلاحية و ملاييره المذرارة على علية القوم. و يمكن تعميم الكلام عن السخاء الحكومي على قطاعات العقار و الصناعة و السياحة و الصيد البحري. و يظل سؤال ربط تسخير المال العام بالنتائج عصيا عن التقييم. يقع كل هذا في ظل خطاب حكومي لا يتكلم إلا على ضغط تخفيف الضريبة على دخل المواطنين على مداخيل الدولة. تزداد هوامش ربح تجار العقار و المنتوجات الفلاحية و شركات استيراد و توزيع المواد الطاقية و الأبناك و شركات التأمين و الإتصالات في ظل صمت مدوي للحكومة و اغلبيتها البرلمانية.
و تأتي منظومة الدعم للإستثمار لتزيد في قدرة طبقة تعودت على زيادة ثروتها بفضل المال العام المسخر، منذ عقود، لخلق الثروة و الشغل و تقوية البنيات الإنتاجية. للمغرب تاريخ مع ” ارضاع الكبار” ماليا من خلال قوانين الإستثمار التي شملت البر و البحر و السياحة و الصناعات و الفلاحة. و كانت آخر الهدايا التي قدمت للمستثمرين منح سخية وافقت عليها أغلبية سكان البرلمان من خلال التصويت على قانون إطار. ما يهم المواطن هو بناء اقتصاد يستفيد منه الجميع و ليس اقلية. و ما يهم الجميع هو ربط الدعم و التحفيزات المالية بنتائج و أثر كبير على نسبة نمو الناتج الداخلي الإجمالي و سوق الشغل و توسع قاعدة الوعاء الضريبي. مشكلتنا في بلادنا هو أن الحكومات تسارع الزمن للاستجابة لطلبات قلة قليلة من المغاربة، و تنسى أن تحاسبهم و تقوم بتقييم النتائج التي كانت متوقعة في برامج قدمها المستفيدون من ” ثدي” الدولة الكريمة المليء بخيرات ينتظر أن تعم الجميع. لا يوجد العيب في التحفيزات المالية و العقارية ، بل يوجد في غياب التتبع الواجب للالتزامات التي يجب أن توازي ما تقدمه الدولة بإسم المواطن و وطنه.
عرف المغرب منذ عقود تطورا مؤسساتيا في مجال تنظيم الحكامة السياسية محليا و جهويا و وطنيا. تكونت مجالس عبر انتخابات، لم تجمع على شفافيتها كل الأحزاب و مؤسسات المجتمع المدني و الملاحظون. و ظلت الممارسة السياسية سجينة حسابات ضيقة كان من نتائجها ظهور فئة من خبراء الفساد الانتخابي أصبحت تراكم ثروات مشكوك في مصدرها. و تطفو، بين الفينة و الأخرى، قضايا تهم محاسبة بعض المفسدين و محاكمتهم. و يظل المطلب الكبير، الذي يمكن أن يرجع الثقة إلى ممارسة السياسة، هو إعطاء مدلول عملي للمحاسبة في إطار القانون. أصبح مطلب ” من أين لك هذا” مرادفا للتشكيك في كل شيء. و الواقع أن المؤسسات تزداد قوة و شرعية مع تفعيل المحاسبة و ربطها بالمسؤولية. نعم يثمن كل عاقل ما تم إنجازه للدفاع عن وحدة المغرب، و لا يثمن أي عاقل الاغتناء غير المشروع الذي استفادت منه زمرة من المفسدين. و زاد الأمر استفحالا مع إصرار وزير العدل على تغييب كل مؤسسات المجتمع المدني من الدفاع عن حصانة التدبير العمومي. و سنضيع رأسمالا ثمينا في كثير من القطاعات و على رأسها الدفاع على حقوق المستهلك و عدم التفريط في تتبع نهب المال العام.