إدريس الأندلسي
قد يختلف مؤرخو الفعل السياسي ببلادنا عن الاختيارات و القرارات، و لكنهم قد يجمعوا على رصانة بنيان مؤسسات سياسية دون غيرها. و حزب الاستقلال ينتمي إلى هذه الفئة التي أزعم أن من بينها أعمدة اليسار رغم التشتت و الحركة الشعبية و بشكل أقل حزب التقدم و الاشتراكية. أما الحزب الذي يرأس الحكومة فله تاريخه الخاص المبني على استقطاب النخب و لو في الدقائق الأخيرة قبل إجراء المباراة. لا أحد يدري مستقبله السياسي و المؤسساتي و لا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه هذا الحزب في ظل التجربة الصعبة الحالية. أطره التاريخية غابت عن الساحة و لا علم لأحد بإمكانيات صمود نخبه الحالية أمام أزمات متتالية منها ما يتعلق بالقرار الداخلي و منها ما هو خارجي و خارج السيطرة.
و تظل مكانة حزب الاستقلال خاصة بكل المقاييس. هذه الخصوصية تتشكل من ترابط حلقات النسيج الإجتماعي و العائلي و تأثيرها الكبير على قرار الفرد.” قيم ” الرضا“ و ” السخط” لها حمولة ثقافية قد ننعتها بالرجعية بلغة نوع من القيم السياسية. كثير ممن عرفتهم من المنتمين لحزب الاستقلال منذ عقود يرجعون أساس الإنتماء للأسرة و العائلة. فمن خرج من الحزب قد يؤول ما أصابه من أعطاب اجتماعية أو مهنية بخروجه عن ما يعتقد أنه خروج عن طاعة حقيقية أو مفترضة إتجاه مجموعته أو عائلته. هذه الثقافة لا تشرح كل شيء و خصوصا في مجال الولوج إلى عالم التجارة و المال و الذي تشكل فيه التوافقات العائلية دورا مهما.
القرار الحزبي داخل البيت الاستقلالي يطبخ على نار هادئة و في تناغم بين البنيات العصرية ذات الطابع الديمقراطي و تلك البنيات التقليدية التي تضع صيانة البيت الداخلي في قلب الثقافة الحزبية. أكاد لا أشك أن “الاستقلالي ” لا يستقيل من حزب الاستقلال و لو بلغ من الكبر عليا. قد يغيب عن الواجهة المؤسساتية لكنه يظل حريصا على البيت و ساكنيه. قد تحدث بعض الأعطاب خلال المسير و لكن الرجوع إلى الأصل يدخل في نطاق الحتميات. سطع نجم شباط و تم قبوله ولكنه تجرأ على ثقافة البيت و قيمه فتجرع مرارة الإقصاء من النقابة التي استفادت من نتائج عمله و من الحزب الذي لم يتمكن من المحافظة على بنياته كلها.
وبارتباط مع ما يشبه الهزة الداخلية التي يشهدها الحزب بعد خلوة لجنته التنفيذية، يمكن القول أن ثقافة و ميكانيزمات الحزب كانت في الموعد. قيل أن قرارات أو لنقل توصيات تستهدف تقليص أعضاء برلمان الحزب إلى النصب مع ربط الصفة فيه بالانتخاب. و قيل أن الحزب سيكون له رأسان قد يخلف أحدهما الآخر لسبب من الأسباب. لا يمكن، بالطبع، قراءة نتائج خلوة القيادة في معزل عن قراءة ما حصل لشباط قبل أن تقلب عليه الطاولة و يحاول التشبت بحزب صغير سرعان ما دفعه في إتجاه الأمواج المؤدية إلى شاطىء مهجور. حزب الاستقلال له عدة أجهزة تتعايش و على رأسها جهاز المفتشين. و كلمة مفتش تحمل من المعاني ما يجعلها العين الحارسة الامينة على توازنات الحزب في الأحياء و القرى و المدن. و كعادة المفتش لا بد من رفع تقارير دورية لا تستثني صغيرة و لا كبيرة. و لا يمكن الكلام عن العضوية بالصفة في المجلس الوطني عن مؤسسة المفتش حتى لو كان مفتشا سابقا. أما منصب الأمين العام فقوانينه من” خاصة الخاصة”. لم يحدث في تاريخ هذا الحزب أن كان أحد أعضاء القيادة ينافس الأمين العام أو حتى أن ينوب عنه. و للتاريخ حاول سي الدويري الأب أن ينافس سي امحمد بوستة فلم يفلح رغم ما كان يحظى به من تقدير. ولا بد من التذكير بما كان يقال أن المرحوم الحسن الثاني كان يخص بكثير من الإهتمام شخص المرشح للأمانة العامة. لكل هذا يظل شأن حزب الاستقلال التنظيمي مسألة صعبة على من لا يتقي شر عدم الإنتباه إلى ثقافة موغلة في التوافقات بكل تنوعاتها.