عبدالحق عندليب
تعودنا، عندما يشعل الغرب حربا من الحروب على دولة من الدول أو عندما يقوم عسكر إحدى الدول الموالية للغرب بمهاجمة شعب يطالب بحقوقه المشروعة ويناضل من أجلها، على أن يقوم الإعلام الغربي على التو بمهمة التغطية الإعلامية، لكن ليس بهدف نقل الوقائع ونشر ما تخلفه الحرب من دمار وخسائر بشرية ومادية، ولكن أساسا للتأثير السلبي على الرأي العام من أجل كسب دعمه للغرب ولأهدافه التوسعية والهيمنية. وهكذا عندما تهاجم جيوش وسلاح أمريكا أو الناتو بلدا من البلدان التي لا تخضع لهيمنتهما سرعانما تهرول وسائل الإعلام الغربية الممولة من طرف التروستات الضخمة والشركات متعددة الجنسيات للادعاء بأن أمريكا بصفة خاصة والغرب بصفة عامة إنما يفعلون ذلك للدفاع عن القانون الدولي وعن العدالة الدولية ومن أجل الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وعن العالم المتحضر، حيث تتقاطر قصاصات الأخبار الغربية لتحيطنا علما بأن طائرات وصواريخ أمريكا والناتو دقيقة التصويب(ههههه) لا تصيب إلا الإرهابيين ولا تعمل سوى على مساعدة الشعوب المقهورة لتحرير نفسها من طغيان وهمجية الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية. هذه الحملات الإعلامية التي قادتها في الماضي كما نتذكر أشهر المنابر الإعلامية الغربية في أمريكا وأوروبا خلال حروب اليابان وكوريا وفيتنام وكذلك خلال الحروب العربية الإسرائيلية وفي الحروب ضد العراق وسوريا وليبيا وفي العدوان المتواصل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل..
لكن عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، فإن الإعلام الغربي بحكم تبعيته المطلقة للغرب واعتناقه لقيمه الميكيافيلية وعقيدته الهيمنية قد تحول دوره إلى تأليب الرأي العام الدولي ضد روسيا ومن خلالها ضد كل الأنظمة التي تمارس نوعا من الندية والتحدي الاقتصادي والسياسي والعسكري ضد الغرب أو تحاول تكسير القطبية الأحادية. لذلك ترى هذا الإعلام باعتناقه نهج ميكيافيلي في تعاطيه مع أحداث وأزمات الساحة الدولية وبتطبيقه لقاعدة الكيل بمكيالين يهرول لنشر الحقد والكراهية ضد روسيا بتصويرها بأنها دولة استعمارية توسعية تريد فقط الاستيلاء على خيرات الشعوب ونشر الديكتاتورية والاستبداد. فروسيا التي يصورها هذا الإعلام بمثابة دب مفترس تحولت بجرة قلم من قوة يعول عليها في التعاون والتفاهم الاقتصادي والسياسي على الصعيد الدولي أضحت العدو الأكبر والمعتدي الأعظم على حق الشعوب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير ومصدرا لنشر الشر وزرع الهمجية واستنباث العبودية والعنصرية حيث لا يتحدث هذا الإعلام اليوم سوى عن سفك دماء المدنيين في أوكرانيا وتدمير المدارس فوق رؤوس الأطفال والإجهاز على المستشفيات ونهب الخيرات ومحاولة حرمان شعب أوكرانيا والشعوب المجاورة لروسيا من حلم اعتناق حريات ورفاهية وتقدم الغرب لإبقاءها رهينة واقع العبودية والتخلف الشرقيين!!! ونفس وسائل الإعلام نجدها لا تتحدث اليوم عن ردود الأفعال الخطيرة للغرب الذي لم يكتفي بتزويد أوكرانيا وجورجيا بالأسلحة المتطورة لتأجيج الحرب وإطالة أمدها، بل فرض عقوبات وحصارا اقتصاديا وسياسيا وعلميا وحتى رياضيا على روسيا هي، وهو ما سيخلف آثار كارثية وإنسانية ليس فقط على روسيا وشعبها بل وعلى شعوب العالم قاطبة خاصة منها الشعوب التي لا توجد ضمن خريطة هيمنة الدول الغربية. وقد بلغت رعونة الغرب أن لجأ في إطار حربه ضد روسيا إلى تجميد أو سرقة ممتلكات وأموال مواطنين روس وغيرهم وهو ما يمثل قمة الانحطاط الأخلاقي في السياسة الدولية. إن نفس هذه الوسائل الإعلامية لا تتحدث اليوم عن التأثيرات السلبية التي تخلفها هذه العقوبات وهذا الحصار خاصة على الفئات والطبقات الفقيرة عبر العالم والتي تؤدي اليوم وستؤظي غدا فاتورة ثقيلة عن تلك العقوبات الظالمة. ولنا في الارتفاع الصاروخي للأسعار التي بدأت في التصاعد بشكل غير مسبوق خير مثال مما ينذر بادلاع أزمات ومضاعفات أخطر وأشد تأثيرا من مضاعفات جائحة كورونا!!!
إن التاريخوقد كشف وفضح ولازال يفضح زيف خطاب التوظيف والتضليل الإعلامي الذي استعمله الغرب كسلاح فتاك لشرعنة الحروب وتبرير الاستعمار والتغطية عن الاعتداءات على حق الشعوب في الكرامة والسيادة والاستقلال. وما التوظيف الإعلامي الذي قام به بوش الإبن لتبرير غزو وتخريب العراق وأفغانستان وقتل مئات الآلاف من المدنيين والعسكريين بكل وسائل الدمار وكذلك من خلال التغطية عن هذه الجرائم البشعة التي تصنف في الشرعة الدولية لحقوق الانسان ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بواسطة التضليل والكذب والترهيب باختلاق قصص من قبيل امتلاك العراق لأسلحة الضمار الشامل، أقول أن هذا التوظيف الإعلامي هو دليل صارخ على الدور غير الأخلاقي الذي يقوم به الإعلام الغربي في كل النزاعات والازمات التي شهدها العالم.
لذا فإننا كمدافعين عن القيم الحقيقية للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وكمدافعين عن حق الشعوب في وحدتها الترابية والوطنية وعن السلام والتعايش بين شعوب العالم، نرفض أن يتحول الإعلام من وظيفته النبيلة المتمثلة في الإخبار والتنوير بشكل نزيه ومستقل وفي الدفاع عن الحق والعدل وقيم السلام والتضامن. وفي المقابل نرفض أن يتحول هذا الإعلام إلى سلاح حربي بيد القوى الأمبريالية، غربية كانت أم شرقية، أمريكية كانت أم روسية أم أروبية، لفرض هيمنتها على العالم والتنكر لحق الشعوب في الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية والاستقرار والسلم والأمن والتقدم.