“لحفيظ الله…! ”
جملة درجت على الألسن تحمل معها معاني كثيرة من خلال سياق الكلام وزمن التداول ،لانجادل حين تقترن باسم الجلالة فهي تعني بالضرورة أن المختص بالحفظ هوالله إنها تسليم وإقرار له وحده بهذا الأمر لاينازعه فيه أحد ، لكن قد تتعدد معاني هذه الكلمة بين المقدس السالف الذكر وبين سياقات و مقامات أخرى نحتاج فيها للتفصيل ،فقد تأتي على ألسنة المغاربة لتفيد الإنطلاق وبداية العمل والتشمير عن ساعد الجد ، كما تعني كذلك إشارة عبر صيحة مدوية يطلقها في عنان السماء ” علام الخيل” وهو يرفع بندقيته بيده اليمنى نحو الأعلى لضبط الإيقاع عند بداية “الوجبة” كما هو متعارف عليه بين الخيالة في ” السربة “.وتذهب في بعض المعاني أبعد من هذا لتنتقل إلى التسليم بأمر الله وقضائه في أمور عجز الإنسان عن تنفيذها . أو كما يقع لمسؤولي بلدنا السعيد الذين مهما حاولوا و ادعوا في الإنجاز والتدبير والإتقان ، تكذبهم الوقائع ، شيء مؤلم أن تسمعها في لحظات تحتاج فيها للتدخل والسرعة الواجبة. فتسليمك بالقول هو إدانة لمن يعنيهم الأمر .فتتساءل في قرارة نفسك أمام هذا الوضع الشاذ :
هل فعلا تستحق هذه الحكومة هذا الشعب،أم أنها لعنة نزلت من السماء ؟
في كثير من المواقف التي تظهر فيها وضعية مقلقة إلا وتطرح علينا سؤالا عميقا وبنيويا :
أين هو المسؤول.أين هي الحكومة ؟
لماذا لايثق الشعب في الحكومة ؟
لماذا كلما إنتظر الرأي العام مبادرة أو ردا حازما تتأخر الحكومة عن الوقت المناسب ، مما يفتح المجال أمام الإشاعات والتأويلات وتنشط مواقع الدعاية المجانية والمجانبة للحقيقة والصواب ، في غياب أو شئنا القول تأخر غير مبرر وعدم استثمار المعلومة في زمنها الحقيقي؟
إننا نعيش تفاوتا زمنيا كعنوان لهذه المرحلة البئيسة ، إنه “الديكالاج” بين الحدث والتدخل وهو فارق زمني يبين بشكل صريح درجة العطب في ميكانيزمات التواصل و عدم القدرة والجاهزية للتصدي لكل حادث. نؤدي ضريبته من أعمارنا.
إن مانعيشه الآن من حالة إستنفار بعد إنتشار خبر فيروس كورونا و بعيدا عن خلفية الحروب الخفية بين الدول الكبرى التي تؤدي دائما ضريبتها الإنسانية والقيم والدول الضعيفة والصغيرة وكذا الوصول لمستوى إعلان حالة الوباء وسقوط ضحايا وعلى وجه التحديد بدول هرم سكانها تحتل فيه الشيخوخة النسبة الأكبر حيث تقل المناعة وهنا لا يسع الإنسان إلا أن يعلن تضامنه مع هذه الدول كما يستدعي الأمر مزيدا من اليقظةو الإحتياط والحيطة والحذر. حتى نجتاز هذه الأزمة بدون ضحايا ولا خسائر .
لكن في كل مناسبة نحتاج لاستخلاص العبر ونحن نخضع جاهزيتنا للإختبار فيتبين أن أسهم الثقة تتهاوى في ظل عدة معطيات لايمكن لمتابع إنكارها. إن تأخر الوزارة في إعلان توقف الدراسة يبين بجلاء مدى عجزها من خلال صدور سيل من البلاغات الركيكة والمرتبكة و التي يراد منها سد الفراغ أكثر من تدبير محكم وتبقى عملية التعلم عن بعد مغامرة و “فانتزم” غير محدود إنه شعار مرحلة يبقى مرتهنا ومرتبطا بمدى التعاون والتنسيق مع شركات إعتادت على الجشع والربح السريع و سرقة المواطنين من خلال رداءة وسوء الخدمة. دون أن نغفل عدم إهتمام الرأي العام بالتحذيرات المتكررة من الخروج للشارع والتشديد على البقاء في المنزل لأنه عامل أساسي في الحد من خطورة هذا الوباء ،إن ما شهدته الأسواق الممتازة من تهافت وتسابق محموم لاقتناء مواد غذائية بكميات غير عادية ، فإذا كان الكل يستنكره فإنه يؤشر لمعطى خطير أن منسوب الثقة في المسؤولين ضعيف جدا إن لم نقل منعدم.
وأنا أتابع حوار رئيس الحكومة مع ممثلي ثلاث قنوات خرجت بخلاصات أهمها أن الطريقة التي دبر بها النقاش كانت فاشلة وبئيسة من الطرفين معا حيث طبع النقاش الإستفزاز والفعل ورد الفعل عوض التأطير لمرحلة تطبعها الحساسية المتعلقة بصحة المواطنين أكثر من أي شيء آخر. رئيس الحكومة وضع نفسه في موقع الدفاع عن إجراءات أمام صحفيين نقلوا أسئلة الشارع التي جاءت في مجملها تعبير عن سخط عارم من بطء التدابير. لقد بدا السيد رئيس الحكومة وهو يسابق الزمن من أجل إفراغ جملة من المعلومات دون أن يأخذ الوقت الكافي وظهر هذا جليا من خلال أخذ الكلمة قبل نهاية السؤال كما أن ملامح وجهه لم تكن مطمئنة لقد تحفظ كثيرا وهو يحمل مشاريع قرارات والحال أنه مسؤول حين كرر كثير من المرات في أجوبته كلمة ( قيد الدرس ) وتبين أن العدد المخصص للطوارئ في أوج الأزمة لايتعدى 250 سريرا وهو رقم يحيل على صور كاريكاتورية صادمة في بلد يطغى عليه الريع والسفه في التدبير انه بكل بساطة كان يردد لازمة : مسرحية كأسك ياوطن .
سوف…سلوا…سلوى ..
. ” الحاصول … لحفيظ الله او صافي .”
ذ ادريس المغلشي