آخر الأخبار

للاعويش المجذوبة القادمة إلى مراكش من سبتة

 تتواجد بمدينة مراكش مجموعة من أضرحة الأولياء الصالحين ، فإلى جانب أضرحة الأولياء والصلاح الرجال هناك أضرحة للوليات الصالحات من النساء التي لم تحظى بالأهمية التي أعطيت لباقي الأولياء  المنتشرين بعدد من الأحياء بالمدينة العتيقة،ويربط عدد من المهتمين مدينة  مراكش بسبعة رجال وهم أولياء لكل تاريخه وكراماته وطقوسه، غير أن أهل مراكش لم ينسوا نساءهن الصالحات بما يليق بهن من تعظيم وتقديس وفق معتقدات موروثة كما هو الشأن  للولية الصالحة عائشة المجدوبة التي  يعتقد زوار ضريحها بأنها تشفي من بعض الأمراض وتحكم الجن، وظل هدا المعتقد موشوما في  الذاكرة الشعبية المراكشية.

واهم ميزة انفرد بها ضريح عائشة المجدوبة المعروفة لدى عامة المراكشيين ب”للاعويش” ، هو إقامة جلسات أسبوعية للحضرة بالضريح ، من خلال ترديد أغاني روحية تتكون  من متواليات من الأذكار التي تقوم على الصلاة على النبي و التشفع به و ذكر الأولياء الصالحين أي ما يسمى بالعتوب، إذ تنطلق الحضرة بإيقاع منخفض ليبدأ في التصاعد بعد  إدخال  البندير لتنخرط النساء معه في الجذبة إلى أن تصلن أقصى تتويج و هو الساكن فتسقطن على الأرض و عندها تقام الفاتحة و تقدم الهدايا، بالإضافة إلى  الاحتفال الأسبوعي يجري تنظيم  موسم سنوي أربعة أيام قبل حلول شهر رمضان بضريح “للا عويش” المتواجد وسط مجموعة من المنازل القديمة بحي أسول بالمدينة العتيقة لمراكش، تشارك فيه  وفود من أقريص و تحناوت و أيت إيمور و تمصلوحت و أولاد أحمد، يمثلون قبائلهم حاملين الشموع، و ينطلق الموكب من ضريح سيدي وحلال بأسول في الثانية عشر ليلا تتقدمه الحضارات اللواتي  يبدأن بما يسمى بالتبييضة و هي الافتتاحية التي تبشر بقدومهن مشفوعين بالبخور و الشمع و الحليب، ويستمر الحفل إلى غاية الصباح  و بعد الفطور يقام ما يسمى بالصبوحي و هو نمط من الذكر تؤديه الحضارات ثم يليهن عيساوة، و خلال الموسم تذبح الذبائح و يجري إعداد ولائم إطعام زوار وزائرات  الضريح.

يقول مقدم الضريح الذي ورث مهمة الإشراف  عليه  أبا عن جد منذ عهد السلطان مولاي عبد الرحمن، أتناء حديثه عن الولية الصالحة عائشة المجدوبة و عن كراماتها و عن الحضرة و طقوس الاحتفال الأسبوعي بذكراها، أنها من أولياء الله الصالحين قدمت من سبتة إلى مراكش بعدما هربت من زوجها المخمر،مشيرا إلى عدد من كراماتها  في مقدمتها إشفاء المرضى الذين يأتون لزيارتها ،يستحمون بماء بئرها و يظلون في الضريح لمدة ثلاثة أيام حتى يأتيهم الشفاء من عند الله.

و أضاف مقدم الضريح بنبرة فانتستيكة و نظراته تشرد بعيدا كما لو كانت تحفر في أنقاض ماض توارى خلف حاضر جحود: “لقد شاهدنا بأعيننا هنا أناسا يأتون و هم غير قادرين على الحركة و لم يتركوا هذا المكان إلا بعد أن تم شفاؤهم ببركة الولية الصالحة ” لم يقف عند هذا الحد بل توسع في ذكر هذه الكرامات التي اتخذت منحى غرائبيا، ” للاعويش” تحكم أربعة من ملوك الجن.

كان الوقت يمتد ما بين صلاة المغرب و العشاء في القبة المقابلة لمدفن ل “للاعويش”، التففت حول شمعة  يمنحنا ضوءها الخافت المتموج بفعل حركة نسيم ليلي، إحساسا بأننا قد اقتطفنا لحظة خارج مجرى الزمن، فناء الضريح تسقفه النجوم المتلألئة في سماء صافية، كل شيء في المكان يزخر بذخيرة نوستالجية نحو شيء غريب ملتبس و مريح، تابع مقدم الضريح في سرد مجوعة من الرويات  المتعلقة بالولية الصالحة التي روي عنها بأنها كانت تصلي المغرب بمراكش والعشاء بمكة المكرمة قائلا ” لكل شيء قصة في هذا الضريح ” ، فإقامة تابوت للولية كان مرتبطا بالوزير المقري الذي أتته الولية الصالحة في حلم واستشار الفقهاء فأشاروا عليه ببناء تابوت ل”للاعويش”، ووقفت عليه مرة ثانية في منامه و طلبت منه أن يبني لها حجابا يقيها من كل أنواع الأذى و الخبائث، فأمر بصنع التابوت بحي القصبة و نقله إلى الضريح في موكب مهيب تتقدمه فرقة الخمسة و الخمسين.

وأوضح مقدم الضريح بأن  إقامة جلسات أسبوعية للحضرة في الضريح “للاعويش” ، يعود  إلى أمر من السلطان مولاي يوسف الذي أمر بإقامة احتفال بالولية الصالحة كل جمعة، حينها “كان يقام من 9 إلى 11 صباحا فتحول فيما بعد إلى ما بعد صلاة العصر و امتدت العادة إلى يومنا هذا، مؤكدا بأن  الحضرة لاتقام بضريح للاعويش فقط ولكن أيضا بأضرحة أخرى، كزاوية مولاي عبد القادر بدرب الحلفاوي  بباب دكالة التي لم يعد لها أثر اليوم، و للارقية وزاوية مولاي الطيب بمول القصور التي تقام بها الحضرة للرجال يوم الخميس و للنساء يوم الجمعة و زاوية مولاي عبد القادر بدرب ضباشي.