* ذ عبد الحق غريب
لم يكن صيف 2022 صيفا عاديا بالنسبة للأساتذة الباحثين، ليس بسبب خبر التعديل الحكومي الذي قيل أنه سيطيح بوزيرهم عبد اللطيف ميراوي، ولا بسبب نشر فضيحة وراء فضيحة حول وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في كل الجرائد الورقية والالكترونية، مع تسريب وثائق خاصة ورسائل ‘إيمايل” شخصية.
لم يكن إذاٌ صيف 2022 صيفا عاديا بالنسبة للأساتذة الباحثين بسبب هذا أو ذاك، بل بسبب استمرار تواصلهم عبر مجموعات الواتساب، حتى وهم في سفر، حول مآل ملفهم المطلبي والدخول الجامعي. ولعل أهم الكلمات الدالة (mots clés) وعناصر موضوع نقاشاتهم كانت هي : 29 ماي، 3 يوليوز، 28 غشت (وهي تواريخ انعقاد اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي سنة 2022)، لقاء رئيس الحكومة وعبد اللطيف ميراوي ووزارة المالية والمكتب الوطني خلال شهر يوليوز، والشلل الذي يهدد الجامعات المغربية مع بداية الدخول الجامعي 2022-2023. ولن أبالغ إن قلت أن النشر والتفاعل بين الأساتذة الباحثين في مجموعات الواتساب حول هذا الموضوع كان على مدار النهار ولم ينقطع طيلة العطلة، وأن القاسم المشترك بينهم جميعا كان هو سخطهم وتدمرهم أساسا من وضعهم المادي والاجتماعي الذي أصبح مزريا، ومن عدم جدّية رئاسة الحكومة ووزارة التعليم العالي في التعامل مع ملفهم المطلبي، وزعزعة الثقة بين النقابة الوطنية للتعليم العالي من جهة ورئاسة الحكومة ووزارة التعليم العالي من جهة أخرى.
في هذا السياق لا بُدّ من التذكير ببعض المعطيات التي قد تغيب عن الراي العام الوطني ولا بُدّ أنها ستفيده ليفهم ويستوعب أن قرار مقاطعة الدخول الجامعي 2022-2023 الذي يطالب به الٱساتذة الباحثون لم يأت من فراغ وأن له ما يبرره. ومن أبرز هذه المعطيات نسرد النقط التالية وبدون تفصيل :
1- أجور الأساتذة الباحثين مجمدة منذ حوالي ربع قرن، رغم الاقتطاعات التي بلغت لدى فئة عريضة حوالي 1500 درهم في الشهر (التقاعد، التضامن في إطار التامين الاجباري عن المرض..) والزيادة المتتالية والفاحشة في أسعار كل متطلبات الحياة ؛
2- عقد المكتب الوطني بدعوة من رئيس الحكومة السابق وبحضور الوزير السابق سعيد أمزازي اجتماعين، الأول بتاريخ 18 يونيو 2019، والثاني يوم 4 شتنبر 2019. وقد تُوّج هذا الاجتماع الأخير ببلاغ يتضمن التزامات من ضمنها أنه تم الاتفاق بين الأطراف على إحداث درجة استثنائية في إطار أستاذ التعليم العالي بمقتضى مرسوم سيتوصل المكتب الوطني هذا اليوم بمشروع له (أي يوم 4 شتنبر 2019)… للاسف الشديد لم يلتزم لا رئيس الحكومة ولا الوزير أمزازي بما تم الاتفاق عليه ؛
3- أصدر وزير التعليم العالي السابق، سعيد أمزازي والحالي عبد اللطيف ميراوي عدة بلاغات مشتركة مع المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي تضمنت عدد من النقط التي تم الحسم فيها في ما يتعلق بالملف المطلبي للأساتذة الباحثين (الدكتوراه الفرنسية…). للاسف الشديد كذلك، لم يلتزم أي وزير منهما بما تم الاتفاق عليه مع المكتب الوطني ؛
3- عندما أعلنت اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي المنعقدة بتاريخ 29 ماي 2022 بالجديدة عن قرار خوض خطة نضالية تصاعدية احتجاجا على عدم التزام ووفاء الوزارة بتنفيذ مضامين البلاغات المشتركة مع النقابة الوطنية للتعليم العالي وعدم جديتها في الحوار، لم يجتمع الوزير مع المكتب الوطني إلا يوم 23 يونيو، أي بعد تنفيذ الخطوة الأولى من الخطة النضالية التصاعدية التي ابتدأت بإضراب وطني أيام 7 و8 و9 يونيو 2022، وكأن الوزير غير معني بالاضراب ولا يهمه شلل القطاع الذي يتحمل مسؤولية تسييره وتدبيره.. بل أكثر من ذلك، فإن الوزير خلال هذا الاجتماع مع المكتب الوطني تمادى في تملصه من التزاماته وتجاهله لمطالب النقابة الوطنية للتعليم العالي، ولم يعط أي إشارة إيجابية حول الملف المطلبي، وكأن حال لسانه يقول طوز على النقابة وعلى الخطة النضالية ؛
4- خلال اجتماع اللجنة الإدارية يوم 3 يوليوز 2022، والذي كان يتمحور حول نقطة واحدة ووحيدة، ألا وهي الاعلان عن تنفيذ الخطوة الثانية من الخطة النضالية التصاعدية، يجب القول أن المكتب الوطني واللجنة الإدارية عبّرا عن حسن النيّة (ولو أن حسن النية والعمل النقابي لا يستقيمان خاصة في الدول المتخلفة). ويكمن التعبير عن حسن النيّة في تاخير قرار الاعلان عن تنفيذ الخطوة الثانية من الخطة النضالية التصاعدية إلى يوم 28 غشت القادم.
في هذا الإطار وللأمانة، تجدر الإشارة إلى أن عدد أعضاء اللجنة الإدارية الذين سجلوا أنفسهم ضمن لائحة المتدخلين، على ما أذكر، هو 49 عضوا، تدخل منهم 34 بعد أن سحب 15 عضوا اسمهم. وباستثناء 4 أعضاء فقط فإن باقي المتدخلين أجمعوا على مقاطعة الدخول الجامعي، بالإضافة إلى تجميد الهياكل و/أو مقاطعة مباريات ولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود (كليات الطب…) وصيغ أخرى ؛
5- تاجيل الإعلان عن تنفيذ الخطوة الثانية من الخطة النضالية التصاعدية جاء بناء على المكالمة الهاتفية التي تلقاها الكاتب الوطني 12 دقيقة فقط قبل بداية أشغال اللجنة الإدارية ليوم 3 يوليوز، حيث أخبر الكاتب الوطني أعضاء اللجنة الإدارية مع بداية أشغال الاجتماع أنه تلقى مكالمة هاتفية من الوزير مفادها أنه سيتم لقاء بين رئيس الحكومة والوزير ميراوي والمكتب الوطني وربما وزارة المالية، وذلك خلال شهر يوليوز، للحسم في شأن النظام الأساسي للأساتذة الباحثين وحجم الزيادة في الأجور… للأسف الشديد مرة أخرى والى حدود كتابة هذه السطور لم يُعقد هذا اللقاء الثلاثي/الرباعي.
من أجل كل هذا، يمكن القول أن أي خطوة نضالية يمكن أن تعلن عنها اللجنة الإدارية يوم الاحد المقبل (يوم 28 غشت)، بما في ذلك شل الجامعات له ما يبرره، هذا بالإضافة إلى أن السيل وصل الزبى، وأن الٱساتذة الباحثين بدؤوا يفقدون الثقة بشكل تام في كل من يتحاور مع نقابتهم العتيدة، وقد عبروا عن ذلك من خلال الإضرابات التي خاضتها المكاتب الجهوية والمحلية للنقابة الوطنية للتعليم العالي خلال السنة الماضية بمختلف المدن الجامعية، وأعلنوا عن استعدادهم مقاطعة الدخول الجامعي في حالة استمرار المكتب الوطني واللجنة الإدارية في التعامل بحسن النيّة وتمادي الوزارة في تماطلها لحل مشاكلهم والإستجابة إلى مطالبهم المشروعة على رأسها الزيادة في الأجور بما يليق بالوضع الاجتماعي والاعتباري للأستاذ الباحث.
* عضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي