عبد الحق غريب
ما كنت لأرد على صاحب “الفيزياء المسلمة”، ياسين العمري، وما كنت لأقدم له سؤالا في آخر هذه المقالة، بعد أن سمعت فيديو يعود لأكثر من سنة :
1- لولا الأهمية العلمية للموضوع الذي تطفل وتكلم عنه أمام طلبة جامعيين، ألا وهو نظرية الانفجار العظيم “la théorie de Big bang” وتطور الحياة على الكرة الارضية؛
2- لولا الترّهات والمغالطات التي دسّها في عقول الطلبة الجامعيين باسم الدين، وأدلى بها في مدرج، داخل فضاء العلم والمعرفة والتنوير.
يقول ياسين العمري في عرضه أمام الطلبة ساخرا ومستهزئا : «إن مصطلح الانفجار العظيم (Big bang) تم تداوله لأول مرة في أحد المؤتمرات العلمية حينما نطق به أحد العلماء وهو يمزح قائلا عن نشأة الكون : “واحد النهار تفرقعات شي حاجة”، وبعد ذلك نشأت نظرية الانفجار العظيم (Big bang) وبات لها اسم علمي، وهي الآن تعتبر من أكبر النظريات المتشبث بها لتفسير بدء الكون»…. قال هذا الكلام بكثير من السخرية والاستهزاء، فانفجر المدرج بالضحك، ويا ليته لم يكن مليئا بالطلبة الجامعيين.
لماذا كلامه حول موضوع النظرية ينم عن جهله بقواعد العلم ؟
بكل بساطة، لأنه يجهل كيف يتم بناء نظرية علمية، ولا يعلم أن الانفجار العظيم هو أحد أهم نظريات نشأة الكون، وقد ظهرت في العشرينيات من القرن الماضي، واستغرق بناؤها أكثر من أربعة عقود، ويجهل كذلك أن أكبر النظريات العلمية جاءت إما عن طريق الصدفة، مثل نظرية الجاذبية بعد سقوط تفاحة من أعلى الشجرة (إسحاق نيوتن سنة 1687) أو عن طريق الملاحظة، كنظرية زحزحة القارات (ألفريد فيجنير سنة 1912)، أو عن طريق أسئلة، كما هو حال نظرية ظهور الحياة لأول مرة فوق كوكب الأرض (تجربة ميلر ويوري سنة 1953)، واللائحة طويلة.
للأسف، ياسين العمري يجهل أن النظرية العلمية هي نظرية نسبية قابلة للتعديل والتغيير..
. فكم من نظرية علمية قُبل بصحتها لفترة طويلة وصلت لقرون أحياناً، ثم ثبت خطأها بعد ظهور اكتشافات جديدة غيرت من وجهات النظر القائمة، لعل أبرزها نظرية بطليموس في تفسيره للأجرام السماوية، والتي ظلت قروناً عديدة مرجعاً لدارسي الفلك حتى ثبت خطأها، ونظرية نيوتن في الذرة والتي اعتمد عليها العلماء من بعده فترة طويلة في تفسير كثير من الظواهر الفيزيائية والنووية ثم ثبت خطأها أيضاً…
وأما أهم ما يجهله ياسين العمري أو يتجاهله هو أنه بفضل النظريات العلمية، اكتسب الانسان كثيرا من المعرفة، وحقق ما وصلت إليه البشرية من تقدم تكنولوجي وعلاج الأمراض وفهم الظواهر الطبيعية و.. و…
دعونا من موضوع النظرية العلمية وتعالوا لنقف قليلا عند الخطر الذي يشكله ياسين العمري على عقول الطلبة وعلى الدور الأكاديمي والعلمي للجامعة، وهذا هو سبب نزول هذه المقالة.
إن أخطر ما يروج له صاحب “الفيزياء المسلمة” من قلب مدرجات مؤسسات التعليم العالي، حسب ما جاء في الفيديو، هو أن العلوم التي تُدرس في الجامعة (نشأة الكون وتطور الحياة) إنما هي خرافة وليست صحيحة، وينصح الطلبة بألا ينساقوا وراء ما يتم تدريسه لهم، معللا كلامه بأن نشأة الكون وظهور أول خلية على كوكب الأرض وتطور الحياة، ولماذا عنق الزرافة طويل وكيف ظهرت الطيور، كلها أكاذيب وخرافات… ثم استرسل قائلا : “ردوا بالكم لأن العلماء الملاحدة يؤصلون لذلك على أساس أنها معطيات علمية، وهي في الحقيقة خرافات، لأن الله عز وجل هو خالق الكون والأرض والحياة.”
هذا كلام خطير، لا يمكن السكوت عنه، خاصة وأنه يقال داخل فضاء العلم والمعرفة، وفي نفس المدرج الذي يتعلم فيه الطلبة قواعد العلوم الفيزيائية ونظريات علوم الحياة والأرض… وعلى رؤساء الجامعات ورؤساء المؤسسات والوزارة أن يتحملوا مسؤوليتهم.
في هذا الإطار، وفي سياق الغليان الذي تعيشه الجامعات المغربية منذ أسابيع، والتدمر والقلق داخل صفوف الٱساتذة الباحثين بخصوص الإصلاح البيداغوجي، أريد أن أبعث بالرسالة التالية إلى ياسين العمري، بصفته أستاذا يدرس في جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء :
لماذا يا شيخ لا تقوم بجولة وطنية عبر مختلف الجامعات، وأنت لك شعبية كبيرة وقاعدة عريضة، لتنبه الطلبة لما يحاك ضد الجامعة العمومية وتفسر لهم أن الإصلاح البيداغوجي المرتقب تنزيله “كوت كوكوت” ابتداء من شتنبر 2023، بشكل فوقي أحادي دون إشراك الأساتذة الباحثين والطلبة المعنيين بالدرجة الأولى بالإصلاح، هو بمثابة مجزرة في حق التعليم العالي وأنه يضرب في العمق جودة التكوين وضربة قاضية للدور الأكاديمي والعلمي للجامعة ؟
لماذا الطلبة الذين يوجهون لك الدعوة يا شيخ لتحدثهم عن الاخلاق والصلاة والرقية لا يوجهون لك الدعوة لتفسر لهم خبايا الإصلاح البيداغوجي وأهم اختلالاته وعواقب تنزيله، ولماذا هم غائبون عن النقاش حول الإصلاح وهندسته، وغير مهتمين بما يهدد جودة تكوينهم ومستقبل الجامعة العمومية ؟