عبد الحق غريب
عقد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي دورة استثنائية للجمعية العامّة، يوم الإثنين 19 يونيو 2023، خُصّصت لمُناقشة مشاريع الآراء بشأن عدد من النصوص التشريعية والمُصادقة عليها، قبل عرضها على السيد رئيس الحكومة. ومن ضمن هذه المشاريع نجد “مشروع رأي المجلس حول مشروع مرسوم بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.04.89 الصادر في 7 يونيو 2004 بتحديد اختصاص المؤسسات الـجـامعية وأسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، ومشروع قرار بالمصادقة على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة.”
وقد أصدر المجلس مؤخرا تقريرا حول رأيه بخصوص المشروع المشار إليه أعلاه (رأي 2023/17- يونيو 2023) نُشر في موقع المجلس. وفي تقديري فإن أهم فقرة تضمنها هذا التقرير، والتي ربما لم ينتبه إليها عدد كبير من السيدات والسادة الٱساتذة الباحثين، هي الفقرة التي جاء فيها ما يلي :
“ورغبة من المجلس في تطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، واعتمادا على التوصيات الواردة في التقرير، وانطلاقا من ضرورة تجويد المنظومة، فإنه كان لزاما على الحكومة، انطلاقا من تراتبية النصوص المنظمة للقطاع، أن يتوصل المجلس بمشروع القانون الجديد المنظم للتعليم العالي قبل مشروع المرسوم لإبداء رأيه فيه، ما يسمح بتناسق النصوص المتعلقة بالمنظومة…”
ماذا تعني هذه الفقرة ؟
هذه الفقرة تعني بكل بساطة أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار لا يحترم ولا يتقيّد بقاعدة التراتبية في النصوص المنظمة لقطاع التعليم العالي، وهو ما يعتبر خرقا سافرا للقانون حسب ذوي الاختصاص. والغريب في الأمر أن السيد عبد اللطيف ميراوي يُصرّ أيّما إصرار على تنزيل وتطبيق الإصلاح البيداغوجي “كوت كوكوت”، حتى في غياب القانون المنظم والمؤطر لهذا الإصلاح وهندسته، ضاربا عرض الحائط رأي المؤسسة الدستورية، ومتجاهلا غضب الٱساتذة الباحثين بسبب عدم إشراكهم في إعداده.
جدير بالذكر أن الإصلاح البيداغوجي المعمول به حاليا (نظام LMD) جاء بعد صدور القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي، حيث أن هذا الأخير صدر سنة 2000، ودخل نظام LMD حيز التنفيذ بمقتضى المرسوم رقم 2.04.89 الصادر في 7 يونيو 2004، في احترام تام لقاعدة التراتبية.
هكذا، وبناء على رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من حقنا أن نتساءل : هل سيتم تطبيق الإصلاح البيداغوجي الجديد قبل صدور القانون الذي يؤطره وينظمه ؟ خاصة أن المجلس يؤكد في رأيه على أن الحكومة كانت ملزمة، انطلاقا من تراتبية النصوص المنظمة للقطاع، أن ترسل إلى المجلس مشروع القانون الجديد المنظم للتعليم العالي قبل مشروع المرسوم المتعلق بالإصلاح البيداغوجي لإبداء الرأي فيه… وهنا نسطر على كلمة “ملزمة” ( أو “لزاما” كما جاء في التقرير).
بعبارة أخرى، هل سيتفاعل السيد عبد اللطيف ميراوي بشكل إيجابي مع تحفظ المجلس بخصوص عدم احترام تراتبية النصوص المنظمة للقطاع، ويأجل تنزيل الإصلاح البيداغوجي إلى حين صدور القانون المنظم للتعليم العالي، أم أن مصداقية المؤسسة الدستورية لا تعنيه في شيء؟
من جهة أخرى، وفي إطار الاحترام الواجب وتعزيز الثقة بين المؤسسات (الوزارة والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي) وبين الوزير والسيدات والسادة الٱساتذة الباحثين، عبر شعبهم وشبكاتها الوطنية، نغتنم هذه المناسبة لنثير انتباه السيد عبد اللطيف ميراوي إلى أن قرار تنزيل الإصلاح البيداغوجي ابتداء من شتنبر 2023 قرار غير سليم ومآله الفشل، وذلك للأسباب التالية :
أولا، لأن المجلس أكد في رأيه على أن من أجل تحقيق هدف تجويد منظومة التعليم العالي والبحث العلمي وخدمة للمصلحة العامة، لا بُدّ من اعتماد مقاربة تشاركية مع كل الفاعلين وخصوصا الٱساتذة الباحثين. وهو ما لم يتم للأسف الشديد، ذلك أن الإصلاح البيداغوجي الجديد تم إعداده بشكل فوقي دون إشراك المعنيين بالأمر، ألا وهم الٱساتذة الباحثين.
ثانيا، لأن الأغلبية الساحقة من الأساتذة الباحثين بمختلف المواقع الجامعية قد عبروا عن رأيهم حول الإصلاح البيداغوجي وهندسته وأصدروا تقارير عبْر شُعَبهم وشبكاتها الوطنية وعبْر بيانات صدرت عن جموعات عامة في إطار النقابة الوطنية للتعليم العالي، وأجمعوا على أنهم مع الإصلاح البيداغوجي وأن الهندسة المقترحة تتضمن عدة اختلالات ونواقص وهفوات ويطالبون بعدم التسرّع في تنزيله، حتى يتسنى لهم إعداد إصلاح بيداغوجي جيّد ومتكامل يستجيب والدور الأكاديمي والعلمي والمعرفي للجامعة، ويتلائم وتحديات العصر.
ثالثا، لأن شبكة العمداء التي كلفها السيد الوزير لإعداد الإصلاح البيداغوجي أغلب أعضائها يفتقدون الكاريزما، وأن همهم الأول هو إرضاء سعادته، والهرولة من أجل تنفيذ أوامره، معتمدين في ذلك على قِلّة قليلة من المنبطحين والانتهازيين.
رابعا، لأن إصرار السيد عبد اللطيف ميراوي على تنزيل الإصلاح البيداغوجي ابتداء من شتنبر 2023، وصمّ أذانه أمام كل ما سبق ذكره، يسيء إليه وإلى مصداقية المجلس كمؤسسة دستورية، ويزعزع الثقة بين الوزارة وهيئة الأساتذة الباحثين، في وقت ما أحوج البلاد إلى السلم الاجتماعي.