إدريس الأندلسي
بكثير من الاقتناع اشكك في وجود فاعل لهؤلاء الذين قادهم تيار ما بعد خريف عربي إلى الظهور بمظهر القياديين في الهيئات السياسية و النقابية و الجمعوية. نعم أتكلم عن الوجود بكثير من الاقتناع بمفهوم الغياب الإرادي لكثير من النخب. غاب المثقف أو تم تغييبه. غاب رجل السياسة الذي كنا نظنه متهاونا أو متراجعا عن موقف، كما غاب رجل المواقف و أكاد أقول بشيء من الاحتراز الظني، رجل المبادئ. “اقترفت” إذاعة أصوات و موقع العمق دعوة عبد اللطيف وهبي لحوار و هما في كامل وعيهما و على صواب و الواجب يقتضي بعض التفاعل. أركز على عنصر الوعي في إختيار المخاطب ، وهذا الوعي موجود ،لأن هذا الضيف لا يخشى قوة الإعلام و لا يبدي أي انزعاج من سؤال أو تناقض أو تنكر لموقف أو تصريح سابق. الوزير ” اليساري سابقا ” و ألله أعلم بالسرائر، لا يتعبه كثيرا أو حتى قليلا قول الشيء و نقيضه. أقرب الأمثلة ما راكمه من تصريحات متناقضة حول مصفاة لا سامير. و كنأش التناقض يتعدى ذلك بكثير. صدى الكلام لم يحكم منطق تكوين حكومة لا زالت تعيش لحظات ما بعد الولادة.
و حتى لا نزايد على “المناضل المحامي القيادي ” اليميني اليساري ” و الوزير المحتفي بمنصبه دائما ، أكاد ارتمي دون وعي في بحر غير الأبهيين بما مضى و المهتمين بالحاضر في معناه لدى فلاسفة الوصفة السريعة و العجيبة للدخول إلى نادي القرار المربح ماليا و اجتماعيا. كل هؤلاء الفلاسفة، و من احتل منهم الفضاء الأزرق يقدمون دعوات للاهتمام باليوم و اللحظة، و بالطبع بملايين الدراهم التي سوف تزول في أجل مسمى. لم أكن أتصور أن يبرر ” القائد الأصيل و المعاصر ” سقطات طوطو من سافل القول و إعتراف صريح في مجال التعاطي للمخدرات و غيرها ،بأن أن متابعيه على عالمه الافتراضي يعدون بالملايين. لا حق لي في الحكم على “حرية” طوطو لأن هناك مؤسسات هي التي يمكن تؤاخذه بما اقترف، ولكن استغرب من موقف رجل سياسي. و لا أظن أن العاقل فينا قد يغفل تأثير المشهد المباشر ومن منصة مكلفة جدا على يافعين و شباب يسمعون التصريح الصريح بالنابي من الكلام. لا أظن أن وزيرا هو قبل شيء رب أسرة قد لا ينزعج بفعل أثناء موغل في السفاهة خلال حفل ممول بمال دافعي الضرائب .
و في ظل هذا الوضع الذي لا يعير للخطاب السياسي حتى لا أقول للثبات على المبدأ أية أهمية، يمكن القول أن ما سيأتي قد يكون أسوأ. نعرف أن الممارسة السياسية لم تعد ، في الغالب، منافسة حول مبادىء و برامج و محاسبة و إنجاز. أصبحت، بعد زحف كائنات “سياسية ” من نوع خاص ، صراعا حول مناصب و مصالح. نعم غلب المثقفون ( بالضمة على حرف الغين) و المناضلون من كافة الاتجاهات أمام من يتقنون جميع اللغات التي لا يتم تدريسها في الجامعات و بالخصوص لغة الجسد و تلك التي تضم وصف هذا الجسد بأبشع النعوت.
حين أعبر عن استياء من موقف الأستاذ عبد اللطيف وهبي من واقعة طوطو و هناك أشياء أخرى تستفز في مواقفه من بينها التعامل مع مطالب المحامين و مع المطالبين بدراسة قضية لاسامير بعيدا عن قراءة بعض التقنوقراط. و هذا لا يعني أن الرجل لا يحمل نفسا إصلاحيا. طالب المحامين بالالتزام جميعهم بأداء واجب الضرائب حسب ما فرضه الدستور على جميع المواطنين كما إقتراح إتخاذ جميع التدابير القانونية و الإدارية لإجبار المخالفين على أداء غرامات مرتبطة بمخالفاتهم لقانون السير. و يجب عليه أن لا يفرط في قضايا المرأة و ضرورة العمل، إن لم أقل النضال، من أجل إصلاح مدونة الأسرة التي أكد عليه ملك البلاد بكل قوة. هذا طبعا لا يغطي على أهمية المشروع المتعلق بإصلاح القانون الجنائي في شموليته . لذلك، و رغم ما يمكن أن نؤاخذ عليه هذا المسؤول السياسي، فيجب على المواطنين أن يضغطوا عليه بكل مسؤولية لكي يكون نصير المظلومين و أن لا يضيع “زمنه ” السياسي المحدود في مواقف و معارك لن تفيدنا و تفيده في شيء. و هذا يطلب كثيرا من التروي رغم ضغط “ماكينة” اللحظة التدبيرية.