آخر الأخبار

مؤنس الملك

عن هذا الكتاب أحكي :
مؤنس الملك الفقيه بنبين
حكواتي القصر ، مبسط الملك ، مؤنس الملك ، الفقيه بنبين ،كلها عناوين شخصية مراكشية حضرت حقيقة ومجازا من خلال الواقع ، بنبين خريج ابن يوسف الفقيه المتأدب العارف بالعلوم الشرعية والحافظ لأشعار العرب وأخبارهم وطرائفهم ، الذي استطاع أن يصبح” رجل الحاشية الأول لدى الرجل الأول في المملكة ” . وبين بنبين الحكواتي الذي تحول لمادة حكي من خلال رواية ابنه ماحي .
شكرا ماحي بنبين ، لقد أبدعت في الحكي والتوصيف ، والغوص في أعماق شخصيات الرواية : الحسن الثاني ، الفقيه بنبين ، الأم مينا . شخصيات قربتنا من واقعها وحقيقتها وظلالها وأغوارها قدر المستطاع ، بحكم ركوبك الصعب وأنت تجتهد في تقديم شخصية استثنائية قويةومركبة ، عميقة وذات أبعاد متعددة : الحسن الثاني الملك الماسك بكل الخيوط ، الذي مارس الحكم باعتباره أميرا للمؤمنين سليل الدوحة النبوية المسؤول عن كل شيء في مملكته ، والذي زاول مهامه وقد اغترف من حياض المعارف شرقا وغربا ، وما
تزود به من بوردو إحدى قلاع الدراسات القانونية إلى جانب ما اكتسبه من ثقافة فقهاء وعلماء بلادنا ابا حنيني وبوطالب والفاسي ، ومن خلال هذا الكم المخلوط بتوابل ثقافة غربية رصينة ، وأخرى مغربية مشرقية سمحت لشخصية الحسن أن تحكم قبل تقلد المسؤولية والتربع على العرش بعد وفاة محمد الخامس .
لم يقل ماحي كل شيء ، ولم يكن بمقدوره ، لكنه ببلاغة قوية جعل الكلمات والجمل والفقرات منفتحة ومغرية بالتخيل وتشغيل المخيال لتصور الماقبل والمابعد ، ومالم تسعف العبارة بقوله وما ضاقت به ، لنتأمل مثلا ما جاء في الصفحة 10 ” حياة صاخبة شاركت فيها الملائكة والشياطين جنبا إلى جنب ، فوق دروب متعرجة ، مزروعة بالأشواك ، وحافلة بالمواعيد المحتومة مع الموت الذي لا يرحم ” .
انتهيت من قراءة الرواية ، ولم ينته فضولي ولا شغفي بالمزيد من معرفة عالم فنتازي غرائبي مبهر ، مليء بالدهشة والمغربات ، وربما بما نتصوره ونتخيله عن عالم القصر وعن شخصية الحسن الثاني ، والتي نجد بعض آثارها مبثوثة في مذكرات وسير وكتابات من قبيل مذكرات وكتابات بوطالب والعروي مولاي هشام وحسن أوريد والفقيه البصري . وهذا ما جعلني أعتبر أن ماحي لم يكن سخيا في التناول واستعراض كم مهم من الوقائع والحكايات التي شاعت داخل المجتمع واستعرضت بصيغ متعددة وأحيانا متناقضة ! . لكنها إكراهات لربما حالت دون تقديم كل ما في جعبته ، وظني أن هناك مادة غزيرة جدا موثقة بالصوت والصورة وبين صفحات كتابات تعرضت لشخصية الحسن الثاني ، ووقائع المؤتمرات والندوات الصحفية والتصريحات والإستقبالات .
قبل أيام تابعت حوارا مع ماحي بنبين عبر قناة فرانس 24 أجراه جمال بودومة ، وسمح لي الحوار بملاحظة طريفة تخص الروائي ماحي تتعلق بالروح المرحة والنكتة والقهقهات وحضور البديهة ، وذاك بعض مما اتصف به الوالد الفقيه بنبين حسب ما يذكر به، وخلاصتي أن ماحي ممتليء تماما بأحداث وأحاسيس وتراكمات تتكشف ببطء من خلال الحكي والألوان والنكتة أيضا .
انتهيت من قراءة الرواية ، ولم أخرج من عالمها ، واشتغلت الذاكرة بانتقائية وتوقفت عند محطات بعينها ، صورة الحسن الثاني وليا للعهد في لحظة انشراح ومرح مفعة بالود معانقا المهدي بنبركة في لقطة حميمية ، وأخرى أثناء إلقاء خطاب انطلاقة المسيرة الخضراء ” بنظام وانتظام ” ، وثالثة يقف فيها الملك على ظهر يخت لابسا جلبابا أو دراعية بلون خزي يتأمل اليم ، ورابعة تظهر الحسن الثاني يحمل البندير وهو مندمج في الإيقاع مع الجوق الوطني ، وخامسة يمسك فيها الحسن الثاني بيد الفنانة نعيمة سميح ، وسادسة ظهر فيها الحسن الثاني وقد انهار فوق ثابوت شقيقه مولاي عبد الله يوم دفنه .
لن نختلف حول غنى شخصية الحسن الثاني وخصوبة المرحلة التي عاشها والحاجة الماسة لدراسات وإبداعات وتحقيقات عن الشخصية والحقبة ، ورواية مؤنس الملك واحدة من الأعمال التي جمعت بين الإفادة والمتعة ننتظر أخريات تضي بعضا من تاريخنا أكثر .

محمد بنحمو /  البيضاء