إدريس الأندلسي
لقد أصبحت المؤسسات المالية الدولية، كالبنك الدولي و صندوق النقد الدولي، مجرد مساهمين على هامش القرار الحقيقي. يلعبون أدوارا صغيرة تكشفها لعبة الكبار في صنع القرار. وصل ترامب، و بدأ الكلام عن دور القوة الجيواستراتيجية في فرض القرار. مداخيل البترول ، و ما تراكم من ثروات أصبحت ضمن دائرة القرار في البيت الأبيض. سوق السلاح يرتبط بضمان أمن الأراضي المنتجة للثروات الطبيعية. و هنا وجب طرح سؤال، حاول التقنوقراط، رفعه إلى مرتبة التقديس. هل تصلح قواعد التوازنات الماكرواقصادية في ضمان أمن العالم و حماية قيم الأمن و السلام و الحرية و الديمقراطية؟؟؟؟
لا تختلف التقارير الذي يصدرها صندوق النقد الدولي عن المغرب في طريقة صياغتها منذ سنين. قد يعتبر بعض قراء هذه التقارير أن بلادنا تقع في خانة الأعضاء ” المجتهدين ” في ضبط التوازنات الماكر واقتصادية. و يشير التقرير الأخير، في بعض فقراته، إلى شيء من التدابير القطاعية مع التأكيد على ” معالجة نذرة المياه، و إصلاح قطاع الطاقة ( الكهرباء و الطاقات المتجددة) ، و الإهتمام بالمخاطر المناخية في تدبير الميزانية “. و توقف كاتبوه عند ضعف سوق الشغل، و هو تعبير تقني عن تفاحل معضلة البطالة، ليشير إلى أن معدلها، لا زال مرتفعا حيت تجاوز 13،3% عند نهاية 2024. و أكد، كالعادة، على عجر الميزان الجاري لميزان الاداءات الذي اسهمت في تغطيته تحويلات مغاربة العالم و الأنشطة السياحية. و قد بلغت مساهمة هذين المكونين في ميزان الخدمات بحوالي 230 مليار درهم. يعتبر صندوق النقد الدولي أن مديونية بلادنا متحكم فيها، و أن تدبير المالية العمومية لا تثير لديه أية ملاحظة جويرية.
خبراء صندوق النقد الدولي لا يهمهم ما يجري في مجال المنافسة. لم يقولوا شيئا عن أسعار الغاز و البنزين التي تثقل كاهل نفقات الأسر و المقاولات رغم الفرقبين سوق الطاقة العالمي و أسعار التوزيع في المغرب . تتكلم جل مؤسسات النظام المالي و الإقتصادي الدولي عن الحكامة ، و لا يتكلمون عن الفساد و الرشوة. يكتب الخبراء تقاريرهم و لا يثيرون أية ملاحظات عن النتائج الحقيقية لتدبير السياسات القطاعية كالمغرب الاخضر و الجيل الأخضر. و لا يتكلمون كذلك عن الأسباب الحقيقية للبطالة. ينشرون كل توقعاتهم الخاصة بالاقتصاد، التي تعطى لهم من طرف المؤسسات المغربية المختصة، و لا يقولون أن معدلات النمو بالنسبة لسنة 2025 لن تخلق سوى 70 ألف منصب شغل. لا تكترث المؤسسات المالية الدولية بالديمقراطية و الشفافية و طرق تدبير الإقتصاد و توزيع الثروات. يظل الأهم، بالنسبة لها، هو مستوى التوازنات الماكرواقصادية. لا يهمها تأثير هذه التوازنات على نتائج التربية و التعليم و الصحة و أداء المؤسسات و مستويات الفقر، و تصحيح مسار التفاوتات الإجتماعية و المجالية.
لا يعلم الكثيرون أن رأسمال صندوق النقد الدولي لا يتجاوز 940 مليار دولار. و قد علم الجميع أن رئيس أمريكا فرض تمويلا على المملكة العربية السعودية يصل إلى 3000 مليار دولار. قد يتجاهل البعض أن ديون الولايات المتحدة الأمريكية إتجاه بقية دول العالم تتجاوز28 ألف مليار دولار. و لا يملك صندوق النقد الدولي أية سلطة ، و لو كانت مجرد نصيحة، على بلاد العم سام. تمتلك بلاد مقر هذا الصندوق 17،5% من حقوق التصويت في المؤسسات المالية الدولية. و تشكل هذه النسبة قوة منع أي تصويت يمنح تسهيلات مالية لأية دولة. و يعلم كل العارفين بهذه المؤسسات أنها احدثت لقمع دول العالم الثالث و صيانة مصالح مؤسسات الهيمنة على الثروات الطبيعية في فترة ما بعد الإستعمار. و يجب أن نعترف بصراحة ترامب في تأكيد رغبته في السيطرة على الثروات أينما كانت،.. و لو في كندا و المكسيك و الغرويلاند. و نستقبل بعثات صندوق النقد الدولي، و هي مجرد موظفين بسطاء، في مؤسسة تعيش على موارد بسيطة، لننقل تقاريرها البسيطة بكثير من الإحترام غير المقبول سياسيا و أكاديميا.
وجب تذكير القارئ أن تمويل اقتصاد أغلبية الدول يتطلب بعض المفاتيح. يتميز سوق الحصول على تمويلات متوسطة و طويلة الأجل إلى شروط بعض منها متعلق بما يسمى “بالتوازنات الماكرواقصادية ” ، و الكثير منها له علاقة بالسياسة و مرتبة الدول في سلم إتخاذ القرار الجيواستراتيجي جهويا و عالميا. يجب تعريف التوازنات، التي تشكل المرجع في ” مراقبة العالم الثالث ” ،بعدد من المؤشرات التي تتعلق أساسا بعجز الميزانية، و عجز الحساب الجاري ،الذي يسجل اداءات البلاد في مجال مبادلاتها التجارية و الخدماتية. و يبين هذا العجز مدى القدرة على توفير التمويل عبر المديونية، و زيادة الضرائب و إصلاح مكونات قطاعات الإقتصاد الوطني. و يجب أن يعلم الكثير من المهتمين أن البنك الدولي و صندوق النقد الدولي أصبحا ، منذ سنين طويلة، على هامش القرار المالي الدولي. الدخول إلى سوق المال تحدد مستوياته و تكلفته وكالات خاصة ” كفيتش و موديز و ستانداراند بورز ” . تتكفل هذه الوكالات بترتيب الدول و المؤسسات المالية، بما فيها البنك الدولي، و اعطاءها تأشيرة الدخول الي السوق ، و تحدد نسبة المخاطر التي تتعلق ببنيتها المالية و عمليات تمويلها. الأمور تعقدت كثيرا. و يمكن القول أن السوق الحقيقي خرج من السوق.
حين يتكلم صندوق النقد الدولي عن اقتصادات الدول النامية أو الصاعدة، فإنه يستعمل صياغة لغوية تغلب عليها ” النصيحة و الأمر و التوجيه “، و قد تتسرب بعض الكلمات التي تصلح لتشجيع ” التلميذ من طرف أستاذه ” لكي يستمر في مسار لا يناقش اتجاهه. و يختلف الأمر حين يتعلق الأمر بالدول التي لا تطلب تمويل أو نصائح صندوق الدولي و لا تحتاجها . و إذا تجاوز هذا الصندوق ما يسمح له به من لطف في الكلام و كتابة التقارير. يعامل بما يليق به. و للعلم، فمقره ، يوجد قرب البيت الأبيض بواشنطن، و هو ما يجعل قوة الأمر الأمريكي أكثر قوة و أوضح من تصويت كل الدول الأعضاء. و لقد حاول، ساكن بيت في مراكش حاليا، و وزير فرنسي سابق، و مدير عام سابق لصندوق النقد الدولي، أن يسبح ضد تيار ايديولوجي و مالي، فكان أن اعتقل بسبب ” فضيحة جنسية” ظهر، بعد ماراثون قضاءي، أنها من فعل فاعل.
أصدر صندوق النقد الدولي بلاغا يبشرنا من خلاله أنه، و بعد تقييم مؤسساتنا الإقتصادية و المالية، و تحليل لمحيطنا الدبلوماسي و البيئي و التجاري ، قرر مجلس إدارته منح تسهيلات تمويلية لبلادنا لا تتجاوز 4،5 مليار يمكن استعمالها إذا تجاوزت تكلفة الواردات إجمالي احتياطات بلادنا من العملات الصعبة. هذا ما كان في امكانه أن يقول . أما تقريره فيظل روتينيا، ومقام خبراء في الرباط مهمة شكلية لا تفيد في شيء. و هكذا تعيش المؤسسات الدولية و خبراؤها في أفريقيا و خارج غزة.