آخر الأخبار

ماذا يريد وزير الصحة و الحماية الإجتماعية، التقنوقراطي

إدريس الأندلسي

نام المؤمنون لدى الصندوق الوطني لمنظمات الإحتياط الإجتماعي بعد يوم شاق، فاستفاقوا على خبر رمى بهم إلى المجهول. تفاجأت كل التعاضديات و هي تشهد قرب تنفيذ حكم بإعدام بنيات اسستها ثقافة و إلتزام إسمه التضامن بين الأجيال و مواجهة الهشاشة أمام المرض. صدمت النقابات، التي صدقت رغبة الحكومة في الحوار، حين علمت أن مشروع قانون يريد التضحية بقرن من العمل التعاضدي و من المكتسبات و من البنيات، و ذلك بجرة قلم. لماذا كل هذا التهافت يا وزير الصحة و خصوصا وزير الحماية الإجتماعية. لماذا تريد أن تضعف خطاب الحكومة حول الدولة الإجتماعية.
يمكن أن يشهد لك زملاءك الأساتذة الأطباء بالتفوق المهني، و لكن تدبير قطاع الحماية الإجتماعية يتطلب الحنكة السياسية. و لأنه كذلك، تكفل برسم إطاره الفلسفي الإجتماعي ، و وضع أهدافه و برنامج تنفيذه عاهل البلاد و حامي أمنها الخارجي و الداخلي و على رأس هذا الأخير حماية كل المؤسسات التي تضمن العيش الكريم و السلم الإجتماعي. ينسى الكثير من التقنوقراط أن التدبير العام متعدد الأبعاد. و ينسى جلهم أن الإصلاح لا يتم بالتعنت و لكن بالفهم الصحيح و الهادئ لكل الآثار المتوقع حصولها بعد إتخاذ القرار غير الخاضع للتمحيص من قبل أولى النهى. ضعفاء التقنوقراط يحولون النقاش و التشارك في إعداد القرار إلى صراع لإثبات الذات. يكرهون مواجهة ذوى الخبرة و الرأي النزيه و الحر و المبني على معطيات لا تخفي الواقع كما هو.
يريد وزير الصحة و الحماية الإجتماعية أن يدفع الحكومة إلى أزمات ليست في حاجة إليها. يرى أنه القادر الوحيد على حل إشكاليات بنيوية في مجال تدبير التأمين الإجباري عن المرض. يظهر أن علاقة مراجعة الأسعار المرجعية للأعمال الطبية و للأدوية بالتوازنات المالية لمؤسسات تدبير التأمين الإجباري عن المرض لا تهمه. يبدو أن تاريخ التعاضديات و أدوارها في مجال الإقتصاد الإجتماعي التضامني لا تهمه . و لا يهمه طبعا أن يتم تسريح موظفين و عمال و إقفال مؤسسات صحية و خدماتية تقدم أعمالا جليلة لذوي الدخل المحدود.
و تظل هذه الحكومة ماضية في تأجيج الصراعات بتعنت كبير. و يظل سبب هذا السلوك يكمن في غياب ثقافة سياسية حقيقية لدى العدد الأكبر من الوزراء و دواوينهم الفارغة من الخبرة و التكوين الذي يستبطن فهم دور المؤسسات و أهمية التوازنات الإجتماعية. تمتد يد ضابط شرطة على خد طالبة في الطب. و ما بين يد و خد أخذت صور لا تسر الناظرين، و لا تجسد أي مجهود في إتجاه نبذ العنف في التعامل مع حركات إجتماعية مشروعة. و يظل كثير من الوزراء لا يفقهون شيئا في التعامل مع الأزمات الإجتماعية. يظل الأهم، بالنسبة لهم، أن يبصموا على قرار أو مشروع قانون، و يعلنون أنهم نجحوا في تغيير الأوضاع.
التغطية الإجتماعية كانت من صنع واقع رسمت معالمه صراعات إجتماعية. تأكد لملك البلاد أن القضية لها ارتباط وثيق بمستقبل المجتمع المغربي و توازناته المؤسساتية و وضع فئاته الإجتماعية. فتح ورش الإصلاح و بدأت الخطوات الواثقة تتقدم، و لكن، بعض التقنوقراط ، ظلوا حبيسي طموحهم الشخصي. و سيتهربون من المسؤولية عن النتائج بعد أن تنهار مؤسسات الحماية و الإحتياط الإجتماعي . بضحك الكثير من من التقنوقراط، الذين لا يهمهم لون سياسي أو إلتزام أخلاقي، من كل المواقف التي يعبر عنها من تهمشهم آليات التأمين الإجباري عن المرض، و من تقمعهم أسعار الولوج إلى العلاجات، و من يتم زرع اليأس فيهم عبر دمج مؤسسات تضامنية، و تعاضديات و جمعيات في صندوق سيخضع في الأخير لقانون العرض و الطلب ، و رغبة الحكومة في تسليع الخدمات الصحية. حذاري من التسليع المؤدي إلى سيطرة ” مول الشكارة ” على العلاج و أنظمة التأمين الأساسية و التكميلية. لا نتمنى أن يتم تمرير الاختيارات الليبرالية القاتلة للاقتصاد الإجتماعي التضامني و التعاضدي، و أحد مكونات هذه الحكومة له تاريخ في النضال من أجل الاستقلال و تأصيل ثقافة التضامن و الحق في الولوج إلى العلاجات لكل المواطنين. تقتضي المسؤولية أن يتم إشراك النقابات و الأحزاب و التعاضديات في كل مشروع قانون يهم مرتكزا أساسيا لأمن المجتمع.