في مونولوج داخلي بلا غايات ديماغوجية او مزايدة على أحد وبلا هدف ترويجي أو دعاية مغرضة، يأتي عرضا سؤال عن الخفي في قرار تمديد حالة الطوارئ والحظر الصحي لأربعة أسابيع إضافية وللمرة الثالثة…فيما لا تتعدى الاصابات اليومية بعدوى فيروس كورونا بعض عشرات يوميا ولم تتجاوز الوفيات 208 حالة منذ اكتشاف أول إصابة بكوفيد-19 وافدة شهر فبراير الماضي…
ماذا عسى يفيد تمديد الحجر وحالة الطوارئ مع كل ما يكلفه ذلك من إرهاق لميزانيات بملايير الدراهم سيكون لها ما بعدها في التنمية على الجيل الحالي وجيل قادم وقد استنفذت الدولة ما أمكنها من تحسيس وتوعية وتعبئة للموارد البشرية والمالية واللوجيستية وحافظت على وتيرة مستقرة متوازنة بين الاقاليم والجهات الحية النشيطة ذات الكتافة السكانية في عدد الاصابات بالفيروس وانتقال العدوى وحالات الوفيات…
فأي مصالح للحكومة في فرض تمديد حالة الطوارئ والحجر الصحي مع تخفيف لا تشمل إجراءاته أهم مناطق المغرب ولا أثر له على معيش الناس ومدخولهم وحياتهم ولا يراعي صحتهم النفسية …وأي تخفيف للحجر مع بيروقراطية مقيتة تحيل طلب ترخيص استثنائي للتنقل بين المدن او الجهات يوما في جحيم الإدارة؟
والسؤال الأهم ما الخفي لدى صناع القرار ولا يعلمه الشعب؟
للسؤال حجة الاستفهام في ظروف التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المحتملة والمؤكدة عقب الإجراءات الاحترازية من تفشي الوباء العالمي في بلادنا التي بادرت في جهود مشكورة الى تعبئة غير مسبوقة للأمن والجيش والسلطات العمومية والقطاع الصحي والمجتمع المدني وأطراف أخرى إضافة الى موارد مالية ضخمة لدعم الفئات الهشة والقطاعات المتضررة…
وكان انعكاس كل ذلك مؤثرا على الميزانية العامة بما فرضته من ضرورة تعديل قانون المالية لسنة 2020 واللجوء الى الاقتراض الخارجي والاضطرار الى سياسة التقشف مع ما سيكلف تمديد حالة الطوارئ خزينة الدولة من أعباء وما ستترتب على إجراءاته من تبعات على صعيد الدين الخارجي وربما الداخلي وكذا على مستوى الاستثمارات واحتياطي العملة الصعبة من السياحة وتحويلات مغاربة العالم والتصدير.
لايبدو للسؤال جواب راهن لمصلحة آنية سوى أن يكون للدولة مصالح أكبر من رأسمال المكاسب المحققة وأكبر من مصلحة الصحة النفسية للمواطنين التي حسم المتخصصون ان أضرارها وعواقبها لن تقل عن مثيلاتها المادية السريرية التي تسبب فيها وباء فيروس كوفيد-19 بل أشد ضررا وفتكا جراء الحجر المنزلي خصوصا لدى الأطفال والمراهقين ولاسيما في المناطق المشهودة بحرارة الطقس وارتفاع نسبة الفقر والكتافة السكانية كمراكش وفاس ومكناس وسلا.
وبحسابات المصلحة ومعادلة الربح والخسارة بالنظر للأعداد المعلنة للمصابين بالفيروس في المغرب وأرقام المنحنيات في استبيان الرصد الوبائي وطنيا، يصعب الاقتناع أن معيار الصحة العامة وحده اضطر الحكومة لهذا التمديد الثالث الذي لا شك لن يكون الأخير استحضارا للموعد الذي تضمنه مقترح مرسوم وزير الداخلية بتأجيل رفع الحظر الصحي الى غاية 08 غشت 2020 وهو التاريخ الذي هو ربما محسوم لإنهاء حالة الطوارئ المفروضة منذ اواسط مارس الماضي.
وأمام الأضرار التي يشكو منها الاقتصاد الوطني والمهددة بعض قطاعاته بالإفلاس، لن يكون مقنعا البتة في الخطاب السياسي ما تحجج به هذا الخطاب لتبرير تمديد حالة الطوارئ الصحية وفرض الحظر في عواصم خمس جهات تستحوذ على نسبة 87.51 % من الإصابات المكتشفة لاسيما وأن هذه الجهات والعواصم هي عصب الاقتصاد الوطني وشريان الانتاج الصناعي والزراعي في المغرب وقطب جذب السياحة والاستثمارات الخارجية.
ولن يكون مقنعا تمديد الحجر الصحي بتكاليفه الباهظة جدا أمام تأكيد السيد رئيس الحكومة ان المجتمع مطالب على مدى السنتين القادمتين بالتعايش مع الفيروس للحد من تفشيه وانتشاره بانتظار اكتشاف لقاح مخلص من الوباء القاتل.
والتعايش مع الفيروس هو وحده الحقيقة التي يصدق فيها السياسي وهو كذوب، وهي الواقع الذي فرض نفسه في أوروبا وأمريكا وكل العالم الذي شوهد وهو يخرج متلاصقا أفرادا وفئات في مظاهرات حقوقية بالشارع العام في باريس ولندن ونيويورك وواشنطن…سلاحه الاحتراز بكمامات ومعقمات.
قد تكون تجربة المغرب فريدة من بين تجارب بلدان على نفس قدر مستواه من حصيلة الإصابات وأكثر الوفيات وكذا قدر مستواه في الامكانيات ومؤشرات التنمية وقد بادرت الى رفع الحظر وأعادت الحياة الى طبيعتها.
ولكن هذه التجربة محيرة أيضا ومستفزة في حسابات صناع القرار المغاربة الذين ربما ينطلق خبراؤهم غير الاقتصاديين لا محالة في الحساب من معطيات غير معلنة ومؤشرات أرقامهم يتم تداولها في بورصة مخصوصة؟
عبد الواحد الطالبي / مراكش