إدريس الاندلسي
كلما زادت اعداد المهاجرين القادمين إلى بلادنا من دول صديقة من جنوب الصحراء، كلما زادت التساؤلات عن حول كيفية التعامل مع هذه الظاهرة. التساؤلات ليست قانونية أو سياسية فقط، بل هي اجتماعية كذلك و تتطور يوم بعد يوم لتصبح ذات أبعاد ثقافية و ايديولوجية و قد تتطور ببطيء لتصبح ذات طابع عنصري. نحن افارقة مع ما يميز “افريقيتنا” من طابعها المتوسطي و قربها ” القريب جدا” من باب أوروبا. يجب علينا أن نطرح سؤال القدرة على التعامل في الحاضر و المستقبل مع الموجات المتتالية لهجرات صعبة و شاقة و مميتة، في الغالب، لشباب يطمح إلى العبور إلى القارة الأوروبية. هذا الواقع حول المغرب من بلد للعبور إلى بلد للاستقبال بفعل صعوبات العبور و الأسعار التي تفرضها مافيات الاتجار في البشر. و للعلم فإن أكثر من 85% من الوافدين من جنوب الصحراء يستقرون بمدننا و خصوصا بالشمال.
تعامل المغرب مع هذا الوضع بكثير من الإنسانية و التعقل. فتح أبواب العمالات و الولايات لتسجيل المهاجرين و تمكينهم من حقوق الولوج إلى التعليم و الصحة. و هذا شيء جيد و يتماشى مع انفتاحه على قيم كونية. و لكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو الآتي: هل لبلادنا وسائل قادرة على تنزيل سياسة حقيقية في هذا المجال؟. من المعروف أن النجاح في مجال عبور المهاجر يصبح فتحا جديدا يغري الكثير من الاقران على اتباع خطى من سبق.
المعطى الآخر و الاستراتيجي هو موقع المغرب الجغرافي في ظل وضع سياسي جهوي تتداخل فيه وحدتنا الترابية مع وضع الجزائر و موريتانيا كبوابات مفتوحة للعبور إلى ترابنا الوطني. و إذا ما ركزنا على الجار الشرقي و حدوده ،غير المسيطر عليها مع جنوبه، فإن الواقع يبين لنا كيف أن هذا الجار يفتح جنوبه و يقفل شماله بقوة القمع و السلاح لكي يغرق مناطقنا الحدودية معه بإعداد كبيرة من افارقة جنوب الصحراء.
نعرف ثقافة العسكر و هواهم و قسوتهم على افارقه جنوب الصحراء. بمجرد أن يصل عدد من هؤلاء عبر بلدان مالي و النيجر و البلدان التي لها حدود معها دون ذكر موريتانيا و حدودها مع السنغال. القضية لا يجب أن يستهان ينتاءجها و بما تتطلبه من تفكير و كثير من التوافقات و الاتفاقيات مع الكثير من الدول الصديقة و المنظمات الدولية ذات الأثر الكبير على الصورة و تكوين الرأي و استصدار البيانات و القرارات. و الجزائر الشقيقة منذ انشاءها و تكوين قيادتها في شرق المغرب تحمل الكثير من المخططات لإغراق من ساندها بهموم لها هدف مزدوج يبدأ بقتل الرفيق و لو كان مجاهدا ثم شيطنة المساند و لو كان حليفا مساندا. و هكذا تمت تصفية قيادات تاريخية كما أعترف بذلك الوزير الإبراهيمي في اعترافاته على قناة الجزيرة كشاهد على العصر. و كان آخر شهيد برصاص كبرانات فرنسا الحاكمين في أمس و يوم الجزائر هو ذلك القائد الذي كشف سر مافيا تحكم منذ ما سمي باستقلال بلاده. بوضياف تم اغتياله مباشرة أمام التلفزيون لأنه صرح بإرادة محاربة الفاسدين.
و لنرجع إلى تجييش الكابرانات لإخوان افارقه ودفعهم إلى معانقة وهم الوصول إلى أوروبا عبر المغرب. بعد هزائم دبلوماسية و أخرى تتعلق بوضع جيواستراتيجي، قرر الكابران الأول شنقريحة بتوظيب فيلم اغراق المغرب بالمهاجرين الموجودين لديه. و الهدف في هذه المرة إحراج المغرب و إعطاء الإشارات لإسبانيا من خلال الثغور المغربية المحتلة و خصوصا مليلية. الأمر يبدو معقدا و يزداد تعقيدا مع نظام يصر على تقويض وضع داخلي موغل في التعقد. شعب يتوق إلى غد أحسن و كابرانات تبيع كل شيء من أجل فتنة كبرى.
المهم وسط هذا البحر الهائج هو التمييز بين ردة الفعل التي تتفاءل بالفعل غير الواعي للكبران الأكبر و تلك التي تخضع القرار للعقل. الأمر يحتاج منا جميعا عمق تفكير و كثيرا من الحكمة. العدو الموضوعي على شرق و الخطر يمر عبر هذا الشرق و صورة بلادنا المتسامحة قد تتضرر بفعل فاعل. و لكن هذا الموضوع يحتاج إلى قرار. قد يكون هذا القرار في شكل حائط مع الجار الشرقي يحمي بلادنا من أفعاله الجرمية و سعيه إلى اغراق المغرب، عنوة، بما لديه من مهاجرين غير شرعيين. رأينا ما يفعله عسكر الجزائر و هو يرمي بمئات مواطني دول جواره على الحدود بدون أي إحترام للمواثيق و لا نريد أن نصبح جزءا من اهماله لحدوده.
أما أن نترك الوضع على ما هو عليه و نتفاجأ بآلاف من الأفارقة من جنوب الصحراء يكونون عصابات تهاجم مؤسسات الأمن بالعصي و الأسلحة البيضاء بهدف استصغار قواتنا الوطنية و العبور لمواجهة سلطات تحميها مؤسسات الإتحاد الأوروبي و اما أن نأخذ الأمر بجدية كبيرة تقينا من كوارث قادمة. نعم يجب أن نصارح دول قارتنا الأفريقية و نعرفهم بحجم ما نعانيه من آثار مشاكل تتجاوز قبولنا بمبادئ القانون الدولي. حين يكون جارك جار سوء قولا و فعلا فعليك أن تعد العدة و إن اقتضى الأمر تحصين الحدود بكثير من الحزم و العزم. المستقبل سيشكله واقع اليوم و الانفتاح له حدود تحدها ثقافة و واقع قد يتفاقم و تتكاثر آثاره. نحن أمام عدو بليد يستوجب ذكاء العقلاء. الحدود الجغرافية تتطلب إتخاذ قرارات تلجم من يخون العهود. و لنا في دبلوماسي الجزائر مثال على عبادة الكذب و محاولة الظهور بشكل يخفي جرائمهم بكثير من النذالة و التي لا يخفيها مندوبهم في الشتم و الكذب المدعو بلاني. ليس مع مثل هؤلاء يبنى مغرب كبير و لا أمل و لا فتح حدود .