محمد نجيب كومينة
قرر مجلس بنك المغرب في اجتماعه الدوري الثالث لهذه السنة رفع معدل الفائدة الاساسي بنصف نقطة، منتقلا بذلك من 1,5% الى 2%.
وكان المجلس في اجتماعيه السابقين خلال السنة الجارية قد تريث في اتخاذ هكذا قرار في انتظار ما ستؤول اليه الامور في الحرب الاوكرانية وازمة الطاقة والغذاء، وما تتخده الابناك المركزية لدى الشركاء الاساسيين للمغرب، و في مقدمتها البنك المركزي الاوروبي الذي كان في البداية متريثا هو ايضا ومتوجسا من قرارات تعمق الانكماش في بلدان الاتحاد الاوروبي دون ان تمكن من تخفيض ملموس للتضخم الناتج عن حرب وصراع استراتيجي وليس عن اختلال في العرض، حتى وان حصل ضرر على مستوى سلاسل الامداد.
قرار مجلس بنك المغرب جاء اذن بعد ان اصبح التضخم المستورد مؤثرا في التضخم الداخلي (endogène)، في وقت يؤثر فيه الجفاف ايضا، و جاء بعدما تبين ان الاتجاه العام لدى القوى الاقتصادية العالمية و دول عديدة الى رفع معدل الفائدة بغرض لجم التضخم وتخفيضه، حتى ولو ادى ذلك الى انكماش حاد ناتج عن تراجع حاد ايضا للاستهلاك والاستثمار.
لكنه لابد من القول ان حصر رفع معدل الفائدة الاساسي بنصف نقطة ينطوي على حدر وتريث في انتظار ما ستؤول اليه امور العالم، وبالاخص امدادات واسعار الطاقة والغذاء و تطور الطلب الخارجي الموجه للمنتجات المغربية في ظل نمو متراجع وكذلك تدفقات التحويلات الخارجية المختلفة، ذلك ان نصف نقطة، المفروض ان ياخذ وقتا معقولا ليدخل الى حيز التنفيذ من طرف الابناك فيما يتعلق بالقروض، لن يؤثر بشكل كبير على القروض بين الابناك او القروض لاكبر الزبناء التي تكون بمعدلات قريبة من معدل الفائدة الاساسي، و لن يكون عائقا دون تطور منح القروض للاقتصاد في حال توفر سيولة بنكية كافية، وبالاخص الودائع المجانية والادخارات القابلة للتحويل الى قروض، وفي حال استمرار بنك المغرب في توفير التمويل وشراء السندات، غير ان بنك المغرب يجب ان يحرص تمام الحرص على ان لا تلجا الابناك الى اساليب ربوية مع الزبناء غير الكبار تثقل كاهلهم و تفقرهم او تؤدي الى افلاس مشاريع من الممكن ان تتطور وتغني رصيدنا المقاولاتي وخبراتنا الانتاجية والتكنولوجية وتعاملنا مع مختلف الاسواق في كل الظروف، اذ يعرف الجميع ان الابناك تميل غالبا الى اخضاع عدد من زبنائها من المقترضين لمعدلات فائدة مرنة، وعينها على الارتفاع، و لمعدلات اخرى لشركات التامين المرتبطة بها، ولعمولات عن خدمات مفروض ان تكون مجانية لو تم احترام روح منشور والي بنك المغرب.
هكذا يصبح نصف نقطة غير ذي دلالة بالنسبة للابناك نفسها والزبناء الكبار، الذين يمتصون ادخار الاخرين، بمن فيهم الشركات المالية وغير المالية، لان العلاقات الخاصة و السلوك الاوليغارشي تؤثر، بينما قد يصبح ضاغطا على القدرة الشرائية و مصدرا لتضخم، وليس العكس، بالنسبة للبقية التي لايسمع رايها و لا يؤخذ به.
يمكن القول باختصار ان رفع معدل الفائدة الاساسي اشارة فقط في اتجاه المدخرين الذين يحسبون الفرق بين معدلات الفائدة على مدخراتهم و بين معدل التضخم، لكن هذه الاشارة لن يكون لها الاثر المرجو فيما يبدو.
نحن بصدد وضع اصبح فيه الاقتصاد مستوعبا (encastré) من طرف السياسة، بعدما اوحت النيوليبرالية لزمن طويل بانفصاله عنها وعن المجتمع، و لهذا الاستيعاب، الذي يندرج اليوم في اطار لعبة استراتيجية دولية لكسر العظام و تاكيد القوة، تبعات ومضاعفات لم تبرز كاملة لحد الان، وهذا ما يستدعي الرهان على الذكاء السياسي والخبرة البشرية لتدبير المرحلة وعدم الاستسلام للموديلات المبرمجة وفقا لبراديغم اصبح متقادما. رفع معدل الفائدة الاساسي من طرف الابناك المركزية تباعا يدخل في اطار ما اسماه كينز بالتصرف الحيواني القائم على التقليد، لكن لا شئ يؤكد انه يصلح اليوم، وكما كان بالامس، لتخفيض معدل التضخم، و من المؤكد ان استمراره في التصاعد كما يحدث في الولايات المتحدة سيكون خطيرا على الاقتصاديات غير الامريكية التي لا تستفيد من ريع الدولار، الذي يتحول بسرعة الى قيمة للاختباء (valeur refuge) و يمكن الولايات المتحدة من جلب وابتلاع الادخار العالمي وموازنة ميزان اداءاتها بسهولة.