إدريس الأندلسي
الحكومة “تشتغل” و لا وقت لها للتواصل و الخطاب و الجواب على وسائل الإعلام. كم هو جميل أن تشتغل الحكومة من أجل الشعب. و كم هو جميل أن تشتغل الحكومة لكي لا يلتهم لهيب الأسعار جيب المواطن. القليل منا يدخل إلى الأسواق و هو مرتاح البال لا تخيفه الأسعار من طماطم و بطاطس و عدس و بصل و لحوم و أسماك، شاء رواد السوق أن يبعدوهم عن قفة محدودي الدخل. و من تكلم عن الغلاء و بلغة الإقتصاد ” التضخم” توجهت سهام الأغلبية نحوه لتصفه بالعدو و العاق و الناكر للجميل الحكومي و الجاهل بقرارات همت صندوق دعم ثلاثة سلع يستفيد منها كبار القوم. و هي غاز و سكر و دقيق. و لا ترقى هذه الحكومة إلى الكلام بصراحة عن الدعم الذي يصل إلى الطبقات الغنية جدا. هذا الكلام يخيفها بالطبع.
قليل من التواضع يا فرسان الأغلبية. أتمنى أن تقرؤوا تقارير الحكومة و مؤسسات الدولة. تعلموا بشيء من التواضع أن تفرقوا بين التضخم و مكوناته. المواد الغذائية هي المعيار الأول لمن يعيش على الكفاف. كل الأرقام الحقيقية تؤكد على تضخم أسعار المواد الغذائية بما يزيد على أكثر من 20% . أما تلك الفئة من الطبقة الوسطى و الصغرى التي تضطر إلى إستعمال مواد طاقية لتحريك عربات مهترة، فلم يسمح لها بالكلام. قالت في شأنها الحكومة كثيرا من الترهات. قيل لمالك سيارة قديمة هي سبيله إلى العمل و الى كسب قوت يومه، أن عليه يتحمل عبئ اختياره. و للفهم أيتها الحكومة فهذا السائق لم يعرف أبدأ كمية استهلاك السيارات الفاخرة و قد يسقط مغشيا عليه إن سمع أن سعرها يتجاوز عشرات الملايين و أنها تستهلك أكثر من 30 لترا في 100 كيلومتر.
كثر الكلام عن لحم البقر و الغنم و عن الدجاج و السمك. و اشتعلت أسعارها لكي يحجم المواطن عن الاقتراب منها أو التقليل من شراءها حسب ما في الجيب. و كثر الكلام عن استيراد الأبقار و اتخذت الإجراءات للاستيراد و ما شابه من قضايا تهم خبايا هذا الاستيراد . و بعد مدة، قال الناطق الرسمي أن الاستيراد مفتوح للجميع. نسي الناطق قواعد و مدة الاستيراد و تكاليفه و من وصل إلى سمعه الخبر قبل غيره. الشفافية في تدبير اقتصادنا الوطني علة كبيرة يستفيد منها البعض و يأتي وزير بدرجة موظف لتقديم تبرير بسيط و عديم المعرفة بالسوق.
قيل الكثير داخل البرلمان و خارجه عن أسعار استيراد الكازوال و عن عمليات تبعث على الشك حول مصدر هذه الطاقة و حول أسعار استيرادها الحقيقية. و كان جواب الحكومة أو الأغلبية و لا أظن أن كل مكونات هذه الأغلبية راضية عن مضمون و شكل الجواب، أن للكل الحق في الاستيراد و بحرية مطلقة. لقد دخلنا في حكومة لا تعير أي إهتمام لوضعية المواطن و لا حتى لذلك الفاعل الإقتصادي الذي لا يوجد ضمن شبكة تحميه و تفتح له الأبواب. اقتصاد الريع و الهمزة ينتعش كل يوم و لا قدرة لأحد على محاسبته. و حتى محاولات المجتمع المدني لمحاربة الفساد تواجه من يجلس على كرسي وزارة و همه قمع مبادرات جمعيات محاربة السيبة في إستعمال المال العام.
سنمتنع عن استهلاك عما يتجاوز قدرتنا الشرائية و نترك الرخاء لمن يستفيدون من مغرب الرخاء. و غدا سنترك كل رغبة في التنقل عبر سيارة صغيرة قيل أننا سنصنع منها الملايين. و غدا ستنصاع النقابات لقوانين جديدة تجعل من عقد العمل مجرد ورقة ترمى في سلة المهملات. و غدا ستعيش فئة قليلة من مواطني بلادي لوحدها مسيطرة على أسواق الطاقة و التصدير و العقار و البنوك و التأمينات و الفلاحة. أما الغالبية فستدفع الضرائب لكي تبنى الطرق و الموانئ و المطارات و محطات تحلية المياه و المستشفيات الخاصة و المدارس الخاصة. حينها سنصلي على مجتمع كان متضامنا و شكل جديد لمجتمع تعيش فيه و بشكل جيد اقلية تحت حماية مشددة . هذه هي الليبرالية المتوحشة التي تستخدم كل قوتها للسيطرة على التدبير الحكومي و على صناعة القوانين. و لكن السلم الإجتماعي و التوافق المواطناتي يحتاج إلى صحوة حقيقية تحفظ عيشا مشتركا مبني على مبادىء دستور المملكة. أما ما نراه اليوم فهو هروب إلى الهاوية. المواطن المغربي محب لوطن عكس الانتهازي الذي يتماهى مع شكل و افرازات كرسي، غدا سيزول، و سيقول كلاما بعد عزله مفاده أن قوة خفية حالت دون أن يكون صادقا و امينا و منفتحا غير خاضع لضغط. بعض الشباب من الوزراء الذين تذوقوا حلاوة العيش بوزارة سينتقلون غدا إلى صف ” الحكماء” لتبرير ما مضى. قولوا قولا صحيحا في هذا اليوم في وجه من اغتنى كأسلافه من استيراد البقر و الكازوال في عرض البحار أو اصمتوا إلى الأبد و لا تعبدوا الأصنام.