ادريس الأندلسي
حيرت أسعار البنزين في بلادنا السياسيين( المعارضين طبعا..) و اؤلئك الذين لا يوجدون في مؤسسات ترابية أو ذات مسؤولية في مجال الحكامة، و على الخصوص مجلس المنافسة. سيطرت على الأنفاس و الجيوب بلاغات الحكومة بخصوص إرتفاع و انخفاض أسعار المحروقات حسب معطيات سوق دولية. انخفاضات قد تصل إلى عشر سنتيمات و ارتفاعات، بعد أيام تتجاوز بكثير الانخفاض السابق. تحيلنا بلاغات الحكومة إلى وجود آليات قياس ” علمية ” تحدد الأسعار حسب تموجات السوق. و المعيار هي أسواق بترولية أولها سوق روتردام. و يجرنا التساؤل إلى حقيقة المعيار و علاقته بالبترول الخام أم بذلك الذي خضع للتكرير. و هنا وجب التنديد بالقرار السياسي ذو الأبعاد المالية الذي فرط في مؤسسة اقتصادية مغربية ذات تاريخ هي مصفاة لاسامير. هذه المعلمة التي يرجع بناؤها إلى السنوات الأولى للاستقلال تؤرخ لتاريخ صراع بين ” الأخوات السبع أي اللوبي الأمريكي الأوروبي الذي يسيطر على السوق و بين مؤسسة إيطالية كان يقودها ” ماطيي صاحب العلاقة التاريخية مع حكومة عبد ألله إبراهيم. أصحاب اللوبي تضايقوا، فقرروا، فاغتالوا الرئيس ماطيي . و ظلت لا سامير مؤسسة كان لها أثر كبير على استقرار عرض المواد الطاقية بالمغرب. و لكن حماة الليبرالية الذين وصلوا إلى القرار، باعوها لمن دمرها و أوقف الإنتاج و رهن سوقنا الداخلية إلى اليوم. و لا زال أمل المغاربة كبير في عودة لا سامير إلى حضن الإقتصاد الوطني. قد يضحك الليبرالي من كلمة ” حضن” لأنها تنتمي لقاموس الوفاء للوطن.
و يوجد الكثير من المستفيدين من توقف لا سامير من يقدسون مقولة ” رب ضارة نافعة”. غاب القرار السياسي التصحيحي لسنين. و سكتت وزارة الإقتصاد و المالية لفترة طويلة عن تراكم الديون الجمركية و الضريبية على الملاك الجدد و على رأسهم سعودي من أصول تشاديه. بدل أداء ما بذمته، قام موظفوه و من ضمنهم، وزير راحل سابق كان مسؤولا عن خوصصة لا سامير، و تحول إلى مدير عام لها ، للدفاع عن مصالح مشغله. و نوجد اليوم، رغم أحكام القضاء التجاري المغربي، تائهين في دوامة إنتظار قرار التحكيم الدولي الذي ينتصر، في الغالب ، لطروحات القطاع الخاص.
طرح هذا الجمود معضلة اللجوء إلى استيراد البنزين المكرر من السوق العالمية. و توازى هذا الحدث مع فتح الباب مشرعا للاستيراد. و تدخل البرلمان المغربي و خرجت كثير من التصريحات تندد باستفادة المتحكمين في السوق بمبلغ قدر بحوالي 17 مليار درهم قبل سنوات. و هناك من أكد أن هذا المبلغ قد تجاوز حاليا 40 مليار درهم.
و يظل الموضوع مطروحا منذ سنوات. أقدم مجلس المنافسة على إتخاذ قرار بتغريم شركات التوزيع بمليارات من الدراهم. و في سنة 2021 تم فصل المسؤول الأول عن المنافسة من منصبه في ظروف قيل أنها ترتبط بسوء تدبير طرق التصويت داخل هذه المؤسسة. و تم تعيين رئيس جديد متمرس في تدبير مؤسسات إنتاجية و بنكية و لا زال مجلس المنافسة يقوم بعمله بكثير من التأني و كثير من ” الحكمة” التي لا تؤدي إلى احداث رجة في سوق المحروقات.
و خرج مجلس المنافسة آخر مرة في أبريل الأخير ليؤكد على أن الشفافية في موضوع أسعار الكازوال و البنزين مهمة. وان المجلس اتفق مع 11 شركة مستوردة على أساس محاور تتعلق بمتابعة مؤشرات اقتصادية للشركات حسب موقعها في السوق، و العلاقة بين أسعار الاستيراد و متوسط التكلفة و مستوى سعر البيع، و حجم الناتج الخام للمردودية المحققة عند نهاية 2023.
و لاحظ الملاحظون للسوق أن المجلس لم يتطرق لمستوى هامش الربح لكل شركة على حدة. ورغم تراجع قيمة الواردات ،و ليس حجمها، من حوالي 66 مليار درهم سنة 2022 إلى أقل 53 مليار سنة 2023 ، و ذلك بفعل تراجع الأسعار في سوق الكازوال و البنزين المكرر، فقد ظل مستوى الأسعار للمستهلك مرتفعا. تراجعت أرقام معاملات الشركات المستوردة إلى 79 مليار درهم سنة 2023 مقابل 85 مليار درهم سنة 2022 دون أثر ملحوظ على أسعار المستهلك النهائي. و يجب التذكير أن مداخيل الدولة من الرسم الداخلي على الاستيراد و الضريبة على القيمة المضافة تجاوزت سنة 2023 حوالي25،5 مليار درهم. يظل السؤال الموجه إلى الحكومة هو ذلك الذي يتعلق بالتكلفة الحقيقية لاستيراد الكازوال و البنزين و القدرة على التحكم في آليات الأسعار المفوترة و إمكانية تأكيد صحتها عبر رقابة صارمة. ننتظر الكثير من تعاون المؤسسات الوطنية العمومية و خصوصا مكتب الصرف و إدارة الجمارك و مجلس المنافسة لحل لغز استمرار إرتفاع الأسعار وطنيا رغم تراجعها دوليا. من المستفيد و هل يمكن الكلام عن فساد التجارة و السياسة حين تختلطان. سلام إلى روح بن خلدون.