ياسين عدنان
لو انتصر المغرب في مباراة اليوم ضدّ مصر لضرب عصفورين بحجر واحد. كان سيردُّ الصاع لمصر التي أقصته من ربع نهائي كأس الأمم الإفريقية في 2017 بصعقة “كهرباء” في الدقيقة 87. وكان سيثأر في الآن ذاته من كيروش مدرب مصر الذي سبق له أن لدغ المغرب في كأس العالم بروسيا 2018 في الدقيقة 95 حيث هزمه في أولى مباريات الدور الأول حين كان كيروش يدرّب المنتخب الإيراني. لكن المنتخب المغربي أتاح لمصر وكيروش معًا أن يهزماه للمرة الثانية على التوالي. وكان انتصارهم مستحّقًّا. فهنيئا لمصر، ولكيروش معًا. وحظّ موفق للمغرب في الاستحقاقات المقبلة.
لكن مع ذلك، لنتأمل قليلا رغم مرارة الإقصاء في الأسباب والمبرّرات.
من الواضح من المباريات السابقة التي أجراها المنتخب المغربي أننا فريقٌ يفتقد إلى شخصيةٍ وإلى أسلوب لعب. فالناخب الوطني ضعيف الحيلة متخبِّط، وكفاءاتنا الكروية محرومة من القيادة الفنية النبيهة ومن التأطير الذكي القادر على توجيهها بما يُعزّز أداءَها ومكانتها وحصيلتها. مع فاريا في 86، كان هناك مزْجٌ مُبتكَر ما بين تيكي تاكا المدرسة الرَّجاوية (دقّة دقّة) والواقعية الناجعة لفريق “الجيش الملكي” الذي كان يدرّبه فاريا إلى جانب المنتخب. مع الثعلب الفرنسي هيرفي رونار أضحى للمنتخب المغربي أسلوب لعب واضح وخططٌ مُحكَمة، كما تميّز الأسُود بالقتالية والروح الجماعية والضغط العالي المتقدِّم على الخصوم وتقليص مساحة اللعب لديهم. وبغضِّ النظر عن النتائج، أعاد رونار الروح للمنتخب المغربي وانتزع تصفيق المُحبّين والخصوم على حدٍّ سواء، إنْ في مدارهِ الإفريقي أو على مستوى كأس العالم.
مع وحيد خاليلوزوفيتش هذه الروح الجماعية صارت مفتقدة، وأضحى الأداء العامُّ باهتا. التحليل النقدي الموضوعي لأدائنا في مباريات الدور الأول بالكاميرون سيثبت ذلك، ومقابلة اليوم ضدّ مصر دليل كاشف على أننا كنا نواجه العالم بمواهب أكيدة ولاعبين كبار، لكنَّ شخصية المنتخب التي يصنعُها المدرِّب لا وجود لها. من الواضح أنّ الجامعة المغربية لكرة القدم تحمي خاليوزوفيتش، وتوفّر له التغطية المطلوبة ليشتغل بأريحية زائدة. والدليل على ذلك أنّ المنابر الإعلامية المقرّبة من الجامعة لم يعد يُسمَح فيها بأبسط غمزٍ من قناة الرجل بلْهَ التّصريحِ بانتِقادِه.
لكن، لنكن صرحاء. الرجل فاشلٌ ما في ذلك شك. فاشلٌ جدًّا، ولِفَشلِه أبعادٌ ومستويات. فإلى جانب إخفاقه في بناء شخصيةٍ للمُنتخب وأسلوبِ لعبٍ واضح يميّزُه، وإلى جانب ضعف التواصل المُريع لديه، هو فاشلٌ على المستوى الإنساني في التعامل مع اللاعبين. يكفي أنّه حرَمَنا من زياش. مِنْ نجم كبير رفض بشهامةٍ الالتحاق بالمنتخب الهولندي مفضِّلًا اللعب لمُنتخبِ وطنهِ الأصلي. لاحظوا أنّ كيروش حينما أراد إقحام محمود علاء، إثر الخروج الاضطراري لأحمد حجازي، ذهب إليه النجم محمد صلاح، تحدّث إليه قليلا، فتأجّل دخول علاء. هكذا هُم النجوم من هذا العيار، خبراتٌ تُغنِي المنتخبات ويَعتَدُّ برأيها المدرّب الحصيف. خاصة وأنّ هؤلاء النجوم، هم الأقدر على صناعة الفرق في اللحظة الحاسمة. ذاك أنَّ مَن هزم المنتخب المغربي اليوم ليس نظيرُه المصري وإنّما محمد صلاح شخصيًّا الذي نجح في التَّخفُّف في رقابة المدافعين فسجَّل هدف التعادل قبل أن يُهدي هدف الانتصار لتريزيجيه على طبق من ذهب.
أمّا نحن، فمدربنا الفاشل ناجحٌ فقط في طرد النجوم وإبعادهم. وإلّا، فهل من المعقول أن نواجه صلاح والنيني وكتيبة نجوم المنتخب المصري ونحن محرومون من نجمٍ فوق العادة اسمهُ حكيم زياش؟
تهمة نجم تشيلسي الوحيدة هي الوفاء. الوفاء لصديقه ورفيقه أيام أجاكس أمستردام نصير مزواري. إذ تدخّل زياش محاولا ثنْيَ المدرب البوسني عن قراره الانفعالي الظالم وغير المبرَّر باستبعاد نصير. نصير الذي كان يعاني الأمرّين من اليمين الهولندي في أمستردام بسبب إعلانه الدائم لتعاطفه مع القضية الفلسطينية وآخرها نشرُهُ عبر خاصية القصص القصيرة على الإنستغرام صورةَ طفلٍ فلسطيني مُمسك بحجارة صغيرة أمام جندي مسلّح من قوات الاحتلال الاسرائيلي مكتوب عليها “الحرية لفلسطين”. لكن تألُّق الظهير الأيمن المغربي الذي يسعى نادي برشلونة لضمِّه إلى صفوفه جعل إدارة النادي تتجاهل الحملة التي شنَّها اليمين الهولندي عليه. لكن خاليلوزوفيتش أبى إلّا أن يتكالب ضدّ نصير، فأقصاه من المنتخب لأسباب صبيانية دعونا نسمعها من نصير مباشرة:
“كان الجوُّ حارًّا عندما بدأنا التدريب الجماعي، وقد منحَنا المدرب استراحةً لشرب الماء. لكن في وقت معين لم أعد في حاجة إلى الشرب، لأنني لم أعد أشعر بالعطش. وهو ما لاحظه خاليلوزوفيتش الذي جاء عندي وقال لي أنه من المفروض أن أشرب الماء. أخبرته أنني لا أشعر بالعطش، غير أنه حاول إجباري على ذلك، وهو ما أراه أمرًا غريبًا.” فيما بعد، يضيف نصير “فوجئتُ بالمدرب يتدخّل ويمنعني من مواصلة الحصة التدريبية، كانت هذه بداية الخلاف الذي جعلني بعيدًا عن المنتخب.”
غلطة زياش “التي لا تُغتَفر” هي محاولتهُ التدخُّل لرأب الصّدع وتهدئة الأمور. لأنَّ مدرِّبًا متشنّجًا مثل وحيد ما كان ليقبل أن يُراجِعه أحد. المدربون الأذكياء يفرحون بنجوم فرقهم ويستقوُونَ بهم، أمّا وحيد فيريد أن يفرض “نجوميته” على النجوم، وها هو لا يتردّد في طردهم دون أن يجد جامعةً حازمةً تراجعه أو توقفه عند حدِّه. واليوم، ونحن نرى زياش يشِعُّ في اللقاء أمام مصر عبر غيابه لا نملك إلّا أن نردّد مع أبي فراس الحمداني:
“سيذكُرُني قومي إذا جدَّ جِدُّهُمْ / وفي الليلة الظلماء يُفتَقد البدرُ”
أخشى أنّ المنتخب – الذي رأيناه اليوم أمام مصر عاجزًا عن صياغة جُمل تكتيكية سلسة وخطط هجومية ناجعة، متقاعسًا عن خلق فرصٍ وعن التّسديد للمرمى المصري حتى بعد خروج كلٍّ مِن قطب الدفاع والحارس – لا يُرجى منه شيء ما لم نواجه بجرأة غياب ناخب حقيقي لفريقنا الوطني. نحتاج مدرِّبًا قادرًا على صياغة شخصية الفريق وبعث الروح في هذه المجموعة، تمامًا كما يفعل قائد الأوركسترا الذي لا ينشغل بتعزيز مهارات عازفيه، كما لا يقف مشدوهًا أمامها، بقدر ما يسهر على توفير مناخٍ يتآلفون داخله ليؤدّي هؤلاء عملهم الموسيقي في انسجام تام، وبالإتقان المطلوب. وإلّا فإننا سنرى نجومنا تخفت في سماء كالحة. حتى أشرف حكيمي نجم باري سان جيرمان ها هو اليوم يفقد نجاعته واتِّزانه، وهو يدخل في مشاحنات لا تليق به ولا بمستواه العالمي، حتى أنها كلّفته ورقة صفراء ثانية كانت ستمنعه على كلّ حال من المشاركة في نصف النهائي.
منتخب خاليلوزوفيتش أُقصِيَ اليوم عن جدارة واستحقاق. لكن، وبما أنّ لنا نحن أيضًا بعض الحقّ في هذا المنتخب، ويوجع قلوبنا أن يتعرَّض إلى إقصاءات أخرى بذات الشّناعة، ها نحن نقرع ناقوس الخطر. نقرعه بحزن، وبأمل أيضًا في أن يكون هناك بين المسؤولين من يشاطرُنا نفس الغيرة على أسود الأطلس.