إدريس الأندلسي
حضر ائتلاف ذاكرة المغرب إلى حاضرة المحيط آسفي من كافة المدن لحضور ندوة وطنية بتعاون مع وزارة الشباب و الثقافة و التواصل ممثلة بمدير الثراث و بشراكة مع الكلية المتعددة التخصصات ممثلة بعميدتها بالإضافة إلى عدة كفاءات وطنية و محلية و ذلك يوم السبت 17 يونيو . حضر الكل و غاب من هو مكلف بتدبير مدينة بعراقة آسفي من سلطات ترابية و مجالس جهوية و إقليمية و محلية. جاء رؤساء جمعيات الذاكرة من تطوان و طنجة و الرباط و الدار البيضاء و مراكش و الجديدة و مدن أخرى و حضرت وكالة تنمية الشمال كمنفذة لمشروع إعادة تأهيل مدينة طنجة و فعاليات تحمل العلم و التجربة و الرغبة في الإسهام المهني و الفاعل في مجال إعادة تأهيل المدن العتيقة. و إختار اللقاء موضوعا عميقا يتعلق بموضوع ” أي دور للمجتمع المدني في تنزيل رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس للحفاظ على التراث و تثمينه “.
حضروا بايمان قاطعين مئات الكيلومترات و غاب عامل الإقليم و كل رؤساء المجالس الترابية رغم الدعوات الموجهة لهم لأسباب مجهولة تتكرر، مع الأسف، كلما جاءت المبادرة من المجتمع المدني. و حين يتكرر الغياب لا يمكن تفسيره إلا بقرار مفترض مضمونه و معناه المقاطعة. يذكرني هذا الغياب بغياب آخر حين احتفلت آسفي و معها سفارة دولة النرويج ممثلة بالسيدة السفيرة الآتية من الرباط و غاب آنذاك مسؤولو المدينة و ذلك بمناسبة الذكرى 51 لرحلة راع التي تعتبر فخرا في تاريخ بلادنا. و لتذكير من تفوته فرص الإحتفال بمشروع حظي بدعم ملكي، فإن رحلة راع تابعها العالم أجمع لأنها رحلة ربطت أفريقيا و أمريكا عبر قارب صنع بوسائل طبيعية من خشب و قصب و أعشاب. و لكن مسؤولي مدينة اسفي فضلوا الغياب على الحضور و كأنهم يقولون أن تاريخ و ثقافة المدينة لا تستحق اهتمامهم أو لعل الأمر أعمق من ذلك في مغرب جديد تحظى فيه كل المكونات الثقافية للهوية المغربية بدعم و إهتمام ملكيين كبيرين. ملكنا المبجل تسكنه كل معاني ومظاهر الغنى الثقافي للبلاد و ذاكرتها بكل مكوناتها.
فهو الحاضر دائما لأنه القائد ذو الأفق الواسع و المعرفة العميقة بدور الثقافة في صنع التاريخ. ملكنا هو قدوة الجميع بمن فيهم و على الخصوص المسؤول الترابي الذي يفرض عليه واجبه و وضعه في مؤسسات الدولة متابعة التنزيل السليم لكل السياسات العمومية في مجال اختصاصه الجغرافي. الحضور رسالة و الغياب كذلك أيها المسؤول.
اختارت جمعيات الذاكرة المشاركة في إنجاح سياسة إعادة الحياة للمدن العتيقة لأنها تؤمن بأهميتها بالنسبة لمستقبل المملكة المغربية و لأنها تؤمن بقيم المواطنة الفاعلة. هذه الجمعيات تؤكد أنها ليست معارضة للمؤسسات و السياسات و لكنها مساهمة و راغبة في مد اليد في مجال الاستشارة المتخصصة و العمل داخل المجتمع لكي يتملك المواطنون مدنهم و مشاريع تأهيلها كفعل ثقافي و اقتصادي خالق للثروات و مصادر الدخل.
ائتلاف ذاكرة المغرب لا يهمه أن يكون له موقع في البنية المؤسساتية الرسمية و لا يخوض في الخطط التمويلية للمشاريع و لكن يهمه كثيرا ان يسهم المجتمع المدني في وضع الأهداف و تقديم المشورة و الإسهام في إقتراح الدراسات الأولية المبنية على خبرة المؤرخ و الباحث السوسيولوجي و العالم الجيولوجي و المهندس المعماري و الباحث في الثراث اللامادي و المختص في أساليب و مواد البناء التقليدي.
يجب على مؤسسات بلادنا على صعيد الجهات و الأقاليم و المدن أن تشجع على تنمية علاقات التشارك مع المجتمع المدني في مجال المدن العتيقة. و الأمر كذلك يتطلب فتح ملف التكوين في مهن الحفاظ على الثراث بما في ذلك الترميم الموجه و المبني على الخبرة مع إعطاء أهمية قصوى لمتابعة التنفيذ و الإنجاز و ذلك تفاديا للأخطاء التي سجلت في مدن رصدت لها مئات الملايين من الدراهم. و لكل ما سبق لا يمكن إلا إبداء عميق الأسف على ما يحصل في آسفي حيث تبدي الوزارة الوصية إهتمام بأفكار جمعيات الذاكرة وتظل السلطات الترابية محتاجة إلى الانفتاح على المجتمع المدني الذي أعطاه دستور المملكة ادوارا مهمة. و الإنتباه إلى مقتضيات الدستور و كذلك التوجيهات الملكية الدقيقة للحفاظ على الثراث المغربي الذي تمتد جذوره إلى آلاف السنين. إنه ثرات يحتم الحضور و يمنع الغياب.